سحر عيوش

06 سبتمبر 2018 - 13:08

comليس هناك شخص يمتلك القدر المطلوب من الصراحة مثل نور الدين عيوش. بشكل صادم، يستطيع هذا الرجل الغامض أن يدافع عن أفكاره المثيرة للجدل، وعلى ما يبدو، فإنه يربح معاركه تباعا.

في المناقشة غير المتخصصة لإدراج اللغة المحلية في المقررات المدرسية، كان عيوش، الذي لم يقدم نفسه يوما على أنه أكاديمي متخصص، يبدو فرحا. إن التعصب الرائج للغة العربية في البلاد يقابله التعصب إلى النقيض. لكن المحافظين، الذين غالبا ما يدافعون عن اللغة العربية واستعمالاتها البيداغوجية بحنين ماضوي مريب، لا يستطيعون، رغم أعدادهم الكبيرة، مواجهة ما يمثله عيوش من نفوذ. ضرب «هدف منخفض» يمثل سياسة زائفة لا تنطوي على قول الحقائق كما هي.

لكن، كيف تتحول قناعات شخص يبدو بأفكار مبعثرة أحيانا كثيرة، إلى سياسات عامة؟ يختبر السياسيون المحافظون دائما الوصفة المكررة نفسها: «هذا رجل يؤثر على دائرة القرار بشكل كبير»، لكن كيف يفعلها ويعجز عنها الآخرون؟ لا يمتلك عيوش فريقا في مجلس النواب، ولا وكالة ضغط ظاهرة للعيان. ذات مرة أقر بوجود فريق من علماء اللغة يساعدونه في تسويغ أفكاره.

إذا صدقنا السياسيين المحرجين من فشلهم المتتالي في كل ما يتعلق بإدارة ملف التعليم، فإن عيوش ساحر بارع. لا يمكن أن تزرع في قلبه رهبة، وبمقدوره أن يصارع أشد السياسيين بأسا دون أي وجل، وحتى في أكثر اللحظات كاريكاتورية، لم يتردد في مناظرة مفكر ذي حنكة مثل عبد الله العروي. وبالطبع، يتلقى الرجل الكثير من الضربات من جيش السياسيين الذين يستهدف مصالحهم الإيديولوجية –وحتى المادية- بأفكاره التي تنزع إلى إحداث تغيير كلي في منظومة عمل مستقرة لعقود. لكن لا تبدو الأضرار بالنسبة إليه كبيرة. قبل عامين، هدد بشكل مباشر السياسيين الموجودين في المجلس الأعلى للتعليم بالطرد. كان ذلك أمرا غير معتاد أن يصدر عن شخص خبر حال السياسيين، ويشارك، جنبا إلى جنب، حول طاولة واحدة في التفكير الاستراتيجي لملف التعليم. وقد أحس السياسيون بمجرد الاطلاع على ما قاله، بأن هناك خطة تعد لتنفيذ ذلك حقا وحقيقة. هؤلاء يخافون ظل عيوش وليس عيوش نفسه.

في بعض المرات، يُنظر إليه باستخفاف، مثل تلك المرة التي وزع فيها قاموسا للغة المحلية (الدارجة المغربية). لكن، ماذا سيفعل أولئك المستهزئون وقد وصلت الدارجة إلى مقررات التعليم الرسمي؟ سيكونون دون شك في حاجة إلى ذلك القاموس. إن عيوش تاجر ماهر أيضا، وقد جنى ثروة من القيام بالشيء غير المتوقع في الزمن غير المتوقع. وقد تصرف طيلة تلك المراحل كشخص يملك المعلومات في يد، وموافقة صريحة من لدن مخططي السياسات العامة في يد أخرى.

يمكنك أن تسأل عيوش عن مستقبل التعليم بدل أن تسأل عنه وزير التعليم نفسه. هذه قاعدة ذهبية. رجل يقضي معظم أوقاته، على ما يبدو، متنقلا بين مكاتب شركته التي تعمل في الإشهار، وقصره الزجاجي، يمكنه أن يعطيك أفكارا يقظة عن كيفية إصلاح بيت رث كالمدرسة العمومية بالمغرب، فيما كل ما في مقدور وزير التعليم أن يفعله هو أن يقدم لك تمتمات غير واضحة عما تفكر فيه الدولة بهذا الخصوص.

إن مشكلة وجود عيوش ليست في أن شخصا كعيوش موجود. هذه حالة تأثير عامة توجد نسخ منها في ديمقراطيات عدة. إن المشكلة الحقيقية هي في إقرار السياسيين، الذين لا يملكون القدرة على التخطيط، بأن بعض المشاريع العظيمة يمكن أن يخطط لها ثم أن تنفذ بعيدا عنهم.

الذين يخشون عيوش هم في الواقع أشخاص جبناء، وفي المنطق السياسي المغربي يتحول الجبن إلى حكمة، أو انحناءة تكتيكية ضرورية. لا وجود لاستراتيجيا في أيدي السياسيين، ويمكن أن ننصحهم، من الآن فصاعدا، بأن يزيلوا كل تلك الخطط الحالمة التي يصرفون عليها الكثير من الجهد والمال، لتسويقها في برامجهم الانتخابية.

كم كان الأمر مشينا في حق فريق نيابي لحزب يدير الحكومة –شكلا- وهو يطلب إيضاحات مستعجلة عن الكيفية التي تسربت بها اللغة المحلية إلى مناهج التعليم. في غالب الأحوال، يمكننا أن نزعم هنا أن البيان التوضيحي نفسه، الذي صدر عن وزارة التعليم بخصوص هذا الأمر، لا يستطيع وزير التعليم فهمه. لقد كتب في مكان آخر.

يستطيع عيوش أن يزهو بنفسه، لأن أفكاره تجد طريقها إلى التحقق. أما السياسيون الذين يشعرون بمرارة الهزيمة باستمرار، فإن بعض الاحتشام يليق بهم.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Kamal منذ 5 سنوات

الحديث عن قوة عيوش في مقابلة مع ضعف السياسيين و الحكومة ضرب من ضروب التخدير فرنسا ، و من خلال مندوبيها بالمغرب ، منذ مدة قررت الإجهاز على العربية كأحد مكونات الهوية . فتضغط على زر بيادقها ( عيوش أتفه بيدق طبعا ) للقيام بحركات بهلوانية جسا لنبض الشعب و إلا من عيوش هذا الذي تمنحه القناة الثانية مساحة مهمة بدعاية غير عادية ليناظر قامة اسمه العروي ثم ما هذه الحداثة التي تدافع باستماتة عن الدارجة و الشذوذ و تتغافل عن ضخامة حرية الشعب في اختيار حكامه لا اختيار مناديلهم و دعك من الحديث عن مسؤولية الحكومة في المغرب ، فهذا كلام لم يعد ينطلي على أحد

عبد الله منذ 5 سنوات

صدقت أخي والله

التالي