«الإسلام والآخر» بعيون مصطفى بنحمزة.. التخويف من الإسلام

07 يونيو 2016 - 01:27

صور داعش وهي تقطف رؤوس مسيحيي سوريا والعراق، أو وهي تحول اليزيديات إلى سبايا، وتفجيرات بروكسيل وباريس، تبعث رسائل مغلوطة عن الإسلام، تصوره على أنه دين متعطش للدماء، عاشق للصراع مع الآخرين، رافض للحوار. في هذا البحث المفصل، الذي خصنا به الدكتور مصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي بوجدة، وعضو المجلس العلمي للأعلى، تسليط للضوء، من الناحية الشرعية، على علاقة المسلمين بغيرهم.

يبدو أنه كلما تحقق انفتاح على الإسلام واقتراب منه، تصورت الدوائر التي تتمسك بثقافة الماضي المصطبغة بروح التوتر التي يغذيها العداء الديني أن صورة الاستعلاء الديني والثقافي أصبحت مهددة بالاهتزاز والتآكل، فيدفعها ذلك إلى تبني أسلوب التخويف من الإسلام، وتقديمه على أنه لا يؤمن بالحوار والتعايش والتساكن، فتستدعي لتنشيط مشاعر الخوف والحقد كل لحظات التوتر التاريخي، وتخضعها لرؤى ذاتية، وتمنحها تفاسير موجهة تنتهي إلى تصوير الإسلام بأنه تواق إلى الصدام وإلى استئصال خصومه.
وتبرز موجة التخويف من الإسلام في تجليات معرفية وأدبية وفنية، من شأنها تأجيج مشاعر التوجس ثم الكراهية للإسلام والمسلمين. ويساعد على ترويج خطاب الكراهية، عدم التصدي العلمي له بإبراز الموقف الإسلامي الحقيقي من الآخرين.
ومن أجل تجاوز بعض النقص والغياب في موقع البيان والحوار تأتي هذه المساهمة، لتؤصل قضية التعامل مع غير المسلمين من منطلق الاحتكام إلى نصوص الكتاب والسنة وأقوال الفقهاء وتمثلات الأمة لقضية التعايش والتساكن، ما يرتفع بها عن مستوى إبداء المواقف الشخصية التي لا تستند إلى المعرفة الشرعية التي يجب الاستناد إليها في بلورة الصورة الحقيقية لموقف الإسلام من غير المسلمين.
من خلال القراءة الواعية لجملة من الأحداث المتصلة بموضوع الدين والتدين، يمكن استخلاص أن العالم يتجه نحو انفتاح كبير ومتزايد على الإسلام. ووقوع هذا التحول نحو الاهتمام بالإسلام والاشتغال به يأتي نتيجة طبيعية لجملة من العوامل والمؤثرات كان من الضروري أن تفرز هذا التوجه.
ومنها على الأخص تمكن الأفراد من التواصل الحر والمباشر باستخدام تقنيات الاتصال ووسائل نقل المعلومة، وهو ما ألغى إلى حد كبير سلطة الكتاب الموجه، وحد من هيمنته المطلقة على الفكر، ويسر للإنسان ولوج فضاءات المعرفة الحرة ليحدد على ضوء معرفته كل اختياراته الفكرية واقتناعاته الدينية.
وقد كانت الأحداث الدامية التي عرفتها أجزاء من العالم الإسلامي، باعثا قويا على استلفات الأنظار واجتذابها بقوة نحو الإسلام، وتقديمه على أنه فكر قوي ورؤية لها فرادتها وتميزها عن باقي أنواع الأفكار والتصورات.
وقد كانت مجازفات بعض الفنانين العابثين والباحثين عن قضايا للإثارة والشهرة، وتصرفات بعض السياسيين الفاقدين للموضوع وللقضية التي يمكن أن تصنع منهم طيفا سياسيا وتمنحهم وجودا ملحوظا، تصور نشاطهم السياسي على أنه مشروع مجتمعي وعمل قومي.
لقد كانت محاولات هؤلاء للإساءة إلى الإسلام باعثا للكثيرين على أن يطرحوا على الذهن سؤال الإسلام الذي تبين لهم أنه لايزال يحتفظ في قلوب المسلمين بكامل حضوره القوي، وبكل توهجه وعنفوانه بعدما أبانت عنه التحديات.
وعلى الإجمال، فقد تضافرت هذه العوامل وغيرها على فتح المجال أمام الإسلام لينطلق في كل الاتجاهات، وخلال كل المجتمعات المتطلعة إلى حياة الاستواء والوفاء للقيم والمبادئ التي يبدو أنها تآكلت باختيارات الإنسان المعاصر.
وإذا كان المستقبل المرتقب واعدا بحصول الالتقاء مع الإسلام، فإن من الآثار الجانبية للظاهرة أن تثير تخوفات كل المجموعات والتيارات التي رهنت وجودها بتوسيع الهوة بين الإسلام وبين الناس، فعملت على إقصائهم عنه، سواء كان لهذه المجموعات والتيارات انتماءات دينية، أم كانت مجرد تيارات مادية تناصب كل الأديان العداء.
وقد كان طبيعيا أن تلتقي جهود هؤلاء جميعا، على اختلاف ما بينهم، من أجل إنتاج صور شائهة من شأنها أن تخلف في ذهن المتلقي مشاعر هي مزيج من الاحتقار والاستعلاء والكراهية والخوف من الإسلام، وهي مشاعر كافية لأن تشكل حاجزا نفسيا سميكا يحول بين الناس وبين الإسلام.
ويبدو أن الجهد استقر أخيرا على اعتماد أسلوب تخويف الناس من الإسلام، وذلك برسم صور دموية مرعبة له، فأنتج ذلك مشروعا عالميا هو مشروع الإسلاموفوبيا الذي يريد أن يقول للمتسامحين والمتحضرين احذروا الإسلام، فالإسلام قادم.
وقد استفاد مشروع التخويف من الإسلام من وقائع فردية تمت في الحاضر، لكنها لم تحدث عن استشارة شرعية لأي مرجع علمي إسلامي معتمد يمكن أن يحتضن عددا من العلماء المؤهلين لإصدار الفتاوى المعبرة عن موقف الإسلام من القضايا العامة.
كما أن مشروع التخويف من الإسلام استدعى من التاريخ كل لحظات الصدام التي وقعت بين دولة الإسلام وبين دول أخرى كانت قد اتخذت، قبل الإسلام، من كثير من أجزاء العالم مجالات حيوية ومراكز نفوذ تابعة لها، فكانت الحروب شأنا معروفا في سلوكها السياسي، وعلى كل نقاط التماس التي التقت فيها مع غيرها.
وقد كان بروز الإسلام وانبثاقه بين منطقتي نفوذ الفرس والروم، مؤذنا حتما بوقوع الاحتكاك مع الإمبراطوريتين اللتين جعلتا أكثر بقاع العالم امتدادا قسريا لنفوذهما وسلطتهما، ولم تكونا لتسمحا ببروز أي دين أو أي مذهب يمكن أن يقتطع جزءا من مساحة نفوذهما.
وعلى أي حال، فإن الحضور الأجنبي المبكر في الشأن الإسلامي لم يكن ليدع للمسلمين هامشا كبيرا للاختيار وللتصرف مع غير المسلمين وفق التوجه الأصلي للإسلام في التعامل معهم.
وإذا كان التحرش بالإسلام شيئا تم في التاريخ، فقد كنا نأمل أن يكون هذا التحرش سلوكا يتركه الناس في زمن يوسم بأنه زمن تعارف الحضارات وتكاملها، لولا أن ظاهرة التخويف من الإسلام ظلت مستمرة بل ومتنامية، وموجهة لكثير من الكتابات الثقافية والصحافية ولكثير من الخطابات والمواقف السياسية والإنجازات الفنية، وهو ما يدعو إلى الإعانة على الوصول إلى الحقيقة بإبراز بعض المعطيات التي تطرح أسئلة على الفكر، ليظل للفكر حق بناء التصور، وحق اتخاذ الموقف بناء على ما توصل إليه من المعرفة بمنأى عن التأثيرات والأحكام المسبقة والتصورات القبلية.
وسوف تحاول هذه المساهمة معالجة المحاور التالية:
* موقف القرآن الكريم من غير المسلمين.
* موقف النبي صلى الله عليه وسلم من غير المسلمين.
* تمثلات الصحابة للموقف من غير المسلمين.
* التطبيق الفقهي للموقف من غير المسلمين.
* الإنجازات الحضارية المتمثلة للموقف الإسلامي من غير المسلمين.
* التعامل مع غير المسلمين في المرحلة الراهنة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي