الفن الوسخ..

20 ديسمبر 2017 - 13:21

أغلب نجوم ومشاهير السينما لا يحبون الحديث عن “فن نظيف”. هذا مفهوم “رجعي” و”متخلف” و”غريب” عن الفن في منظورهم. هذه “رقابة دينية” مغلفة في ثوب الحرص على الأخلاق. هذا مفهوم لا وجود له في عالم الفن المعولم أحادي الرؤية وتجاري الغرائز. طيّب. دعونا إذن نتحدث عن الفن المتحرر الذي يمر هذه الأيام بمأزق فاضح، يدفعه، من حيث لا يدري، إلى التعلل بالأخلاق التي يعاديها..
ذاك الفن الوسخ الذي تثور ثائرة أنصاره، كلما انتقدت أصوات وحساسيات إغراق الأفلام بمشاهد العري والجنس المجانية استعراضا للمرأة واستغلالها لها، في مهمة إشباع الاستيهامات الذكورية العابرة للحدود، ونشر نزعات الاستعراء بين الناس بذريعة الفن. (على أني لا أعمم هنا، وإنما أقصد تيارا بعينه، ذلك المولع بإقحام الجنس في كل عمل، إلى درجة أنه يرى كل ما خلا من الجنس فنا ناقصا).
هكذا تمعن جوقة التقليد والاتباع الفني، كلما وصلتها أصوات تدعو إلى بعض التعقل والتعفف، في تنديدها بهذا الفكر المتخلف والتحليل السقيم والعجز البيّن عن “تذوق” الرسائل الفنية “الدفينة والراقية” الكامنة وراء مشاهد الجنس والعري والإيروتيكا، التي يجد فيها حراس المعبد السينمائي في العالم المتخلف مصدر إلهام وتعبير كامل عن الحرية والانعتاق. ماذا سيقول هؤلاء الآن وسرب عظيم من حمائم هوليود وجميلاته يغردن منذ أكتوبر الماضي “وأنا أيضا” Me too، في إشارة إلى تعرضهن للابتزاز الجنسي، حيث الوقوف أمام كاميرا النجومية مشروط أولا بالمرور إلى السرير..؟
لنسمع جزءا من بوح واحدة من ضحايا “الرسائل الفنية العميقة!” التي ينطوي عليها الجنس، والتي لا يراها إلا فنانونا العباقرة!
تروي الممثلة الأمريكية المكسيكية، سلمى حايك، في مقال مطوّل بصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، التي فضحت ممارسات “السرير مقابل النجومية”، في تحقيق صحافي نشرته في أكتوبر الماضي، قصة الابتزاز الذي تعرضت له على يد أحد أشهر منتجي هوليود. تفضح حايك ما تعرضت له من تحرش من طرف المنتج السينمائي هارفي واينستاين، حين كانت تصور فيلمها “فريدا” (صدر عام 2002 ويسرد قصة رسّامة مكسيكية).
تحكي الجميلة عن الوحش “أعطاني فرصة جديدة لأستمر في الدور” (بعدما كان سيقصيها). قال إنه سيسمح لي بأن أستمر في الفيلم إذا قبلت بأداء مشهد جنسي مع امرأة أخرى. وطلب أن يكون مشهد عري كامل”، لا تخفى معه خافية من جسد سلمى.
“كان يطالب دائما بمزيد من الأجساد ومزيد من الجنس”. “في مرة سابقة، أقنعته (المخرجة) جولي تايمور بأن ينتهي مشهد رقص على أنغام موسيقى “تانغو” بقبلة عوض مشهد ممارسة الجنس، الذي كان يريد أن يسجله بين شخصية “تينا مودوتي”، التي أدتها الممثلة أشلي جود، وشخصية “فريدا” (أدتها سلمى حايك).”
تواصل سلمى “لكن هذه المرة كان واضحا لي بأنه لن يسمح لي بإتمام هذا الفيلم إذا لم يحقق استيهامه (الجنسي) بطريقة أو بأخرى. كان عليّ أن أقول نعم. بذلت سنين من عمري في التحضير لهذا الفيلم.(…) حين وصلت إلى مكان التصوير بدأ جسدي يرتعش ونفَسي يختنق، وبدأت أبكي وأبكي، غير قادرة على التوقف، كما لو كنت أتقيّأ الدموع”.
في الأخير تُعلّق سلمى على سبب هذا البكاء الحار والإحساس بالمذلة “لم يكن ذلك بسبب أني سأُصَوّر عارية مع امرأة أخرى، وإنما لأني سأتعرّى رفقتها من أجل (عيون) هارفي وينستاين”. هذه حقيقة بعض تلك المشاهد “المعبرة” في نظر مُقلّدة العرب. وقد تجد من أجهد نفسه للعثور على رسائل ودلالات لمشهد لم يكن الغرض منه غير تلبية نداء خليع يمور في دم مخرج شبِق.
سلمى حايك طبعا، مثل كثير من الممثلين لا ترى أن المشكل في التعري، وإنما في التعرّي لأغراض غير سينمائية. وهذا موقف من الفن والذات. موقف يهبُ الجسد بلا قيد أو شرط لإله السينما والفن. موقف يفتح شقوقا تتسرّب منها أهواء ملوثة.. تواري فطرة الستر وتلهب شهوة السفور..

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي