"البريكسيت" ودستورنا

02 يناير 2018 - 15:02

في حديث مع صديقي البريطاني العالم بأمور سياسة بلده سألته: ماذا وراء “البريكسيت” الاقتصاد، السياسة، لوبي المال أم هي الطبيعة المحافظة للشعب البريطاني النابعة من تاريخه الفيودالي؟

ابتسم قليلا ثم رد: دعني أقول لك إن كل هذه الأشياء التي ذكرت ليست وراء “البريكسيت”، قد تكون مؤثرة، غير أن الذي تحكم حقيقة في خلق قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو البرلمان البريطاني بغرفته الأولى، هذا الأخير الذي حكم البلاد منذ تأسيسها، أي منذ 13 قرنا وما يزيد. لذلك حين لاحظ البرلمان البريطاني أن جل سلطاته أصبحت تتسرب من بين أنامله لفائدة البرلمان الأوروبي، رفض ذلك. إذ ليس من السهل أن يتنازل هذا البرلمان عن سلطاته التي ترسخت في ثقافة البريطانيين، بل جعلت المواطن البريطاني في القرن الثامن عشر يصف السلطات الواسعة لبرلمان بلاده بالقول: “إن الحاجة الوحيدة التي لا يستطيع البرلمان البريطاني أن يقوم بها هي تحويل رجل إلى امرأة”، كناية على سلطاته الواسعة.

فالبرلمان البريطاني رفض هيمنة قرارات فوق الوطنية لأجهزة بروكسيل، بما فيها البرلمان الأوروبي ومفوضياته على مجال اختصاصه، فقاد معركة “البريكسيت”، وأضاف إلى ذلك قراره الأخير الذي يلزم رئاسة الحكومة البريطانية، بأن تعود إليه لإخباره قبل اتخاذ أي قرار نهائي في موضوع الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ربما خوفا من كلفة مالية عالية نتيجة الانسحاب أو اتفاقات قد تمس بمجال اختصاصه.

في الحقيقة حين كان صديقي البريطاني يحلل كيف أن البريطانيين أخذتهم العزة ببرلمانهم، كان ذهني شاردا يفكر مباشرة في برلماننا الوطني، حيث لا يوجد برلماننا في كثير من اللحظات والأحيان إلا على الورق، يستفزني تباطؤه وسوء حركيته، حتى أصبح عبئا سياسيا وماليا على المواطن المغربي، والذي كان يجب أن يكون ملاذا له.

يبدو أن دستور 2011 قد فكك برلماننا وأحزابنا معا، فهذا الدستور نص على حجم كبير من الإجراءات ومن الوسائل السياسية لتحرك أفضل للأحزاب والبرلمان، غير أن الواقع يؤكد أن أحزابنا منخورة القوة ومنهارة الإرادة ذات زعامات منهكة. وبخلاف البعد الدستوري، الذي كان يمكن أن يقوي هذه الأحزاب، أصبح هذا الدستور يشكل عبئا ثقيلا عليها، ربما لأنه أكبر بكثير من قدرتها وحجمها الحقيقيين.

فحين كان الجميع يردد شعارات ويتبنى مواقف وطموحات سياسية كبرى، كـ”الملكية البرلمانية” و”الديمقراطية التشاركية” وغيرها من الشعارات، لم يفكر أحد في هل نتوفر على نخب سياسية وحزبية تستطيع القيام بذلك؟ فغض الدستوريون الطرف عن حقيقة أحزابنا السياسية، وعن قدرة النخب والبرلمانيين ومن يختارهم. يبدو أن الذي وقع هو أن دستور 2011 هزته حناجر بعض ممن وجدوا أنفسهم في الشارع، دون أن يفكر واضعو الدستور في من سيقوم بالعمل في إطار مضمون هذا الدستور، بحمولته الثقيلة وبوسائله المتعددة.

لذالك يلاحظ عنف هذه المفارقات في كل مفاصل السياسة، في حكومة تخاف من المحكمة الدستورية، بل وتحاربها، في مؤسسات للحكامة يتم تجاهل بعضها دون تجديد أو تجاهل أخرى نهائيا، وفي أحزاب برلمانية ضعيفة القدرة على الرقابة، وفي برلمان لم يستطع أن يخلق مؤسسة مستقلة، بل هناك تواطؤ مشبوه بين السلطتين التنفيذية والتشريعية على حساب الدستور، إذ لم تستطع النخب السياسية أن تفرق بين مفهوم الأغلبية ومفهوم دور البرلماني، بل أصبح البرلماني يشتغل لدى الحكومة، ثم في جهاز إداري حكومي تائه بين القرار السياسي والخوف من المحاسبة ومن التقييم.

إذا كان البعض بنية حسنة يريد أن يجعل من دستور 2011 منطلقا لعملية سياسية أفضل، فإن ما يخيف هو أن ييأس المواطن عندما يقارن بين المتاهات الديمقراطية والحقوقية الدستورية وبين ذلك الواقع المر، لذا يبدو أنه حان الوقت لنفكر مليا ونتساءل: هل دستور 2011 ساعد في بناء تجربة ديمقراطية أم قام فقط، بكشف عوراتها؟

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Kamal منذ 6 سنوات

و طبعا ، الحل السحري لهذا الواقع المصطنع هو إنشاء البام أو تقوية الحمامة

التالي