هذه تهمك الأخرى عزيزي توفيق..

28 فبراير 2018 - 14:22

دعني أذكرك زميلي العزيز توفيق بأن من توجعهم بكلماتك وتعرّيهم بتحليلاتك وافتتاحياتك لا يستطيعون أن يردوا عليك ردا من جنس العمل. وعملك أنت هو الصحافة، وعملهم هم من جنس آخر. لا أعرف من أي صنف بالضبط، لكن أكيد أنه عمل ذو ثلاث سمات. الأولى أنه سريع التلف أمام أشعة الصحافة الجادة، والثانية، أنه يؤمن بعكس القيم والتوجهات والأفكار التي تنادي بها كل يوم في صفحات الجريدة وموقعها على الأنترنت، والثالثة أنه عمل بقدر ما لا يطيق انتقاداتك وتوجهاتك، بقدر ما يعجز عن صد آثارها وكبح « تفشيها » المخيف. وبالتالي، فلا يمكن أن يكون الرد عليك له صلة بالصحافة! أيعقل أن تأسر إنسانا على مهنة يُجيدها بإتقان؟! مهنة تثير جنون القوم؟ وبما أن اعتقالك لا علاقة له بمهنة الصحافة، واحتراما لقرينة البراءة، فسأركز هنا على « تهم أخرى » لها علاقة بالصحافة التي أرى أن ظلالها وأطيافها تحوم حول الطريقة، والتي تم اعتقالك بها وزرع الرعب في طاقم الصحيفة..

أنت تنحت يوميّا رأيا وتوجها وخطا تحريريا مختلفا ومتفردا، تثبت ملامحه بحرفية عالية بمعية أقلام متميزة، في بيئة سياسية وإعلامية تتعرض خطوط الاختلاف بينها للمحو والصهر داخل خط تحريري جامع يطبع بألوان وأحجام وأشكال مختلفة. أنت تؤمن بأن وظيفة الصحافة هي دق أجراس الإنذار لا دفوف الدعاية، تؤمن أن مهمتك هي الدفاع عن الحريات الفردية والجماعية وحقوق الإنسان والتعبير لا تبرير تقييد الحريات وتكميم الأفواه وقتل المعاني.

أنت تعارض زواج المال والسياسة، وتهتم بشكل مفرط لأمر التعليم والصحة وحكامة الأجهزة الأمنية وتقاسم السلطة ومحاربة الريع والشفافية، لكنك بتقصير مفرط، أيضا، لا تعارض زواج السلطانة هيام من حبيب تركي أو مصري، ولا تبالي بمصير فريدة في مسلسل « سامحيني »، ولا بتسريحة شعر السرحاني، ولا تخصص تحليلات وافية لضيوف « رشيد شو »، وتفضل على هذه « القضايا المهمة »، ما يجري في دواليب مشهد سياسي يخضع لكل شيء إلا المنطق، ويتبع كل طريق إلا طريق الرشاد..

وفوق هذا وذاك، وعلى فرض أنك أدمنت الكتابة عن أزمات التعليم والصحة وحماقات السياسة وألاعيبها، فعوض أن تحوّل افتتاحياتك إلى منصات عمومية لجلد الوزراء وتبخيس الأحزاب والحركات السياسية والمدنية والأصوات الحرة، وبذلك تقلص المدى الإدراكي للقارئ لأعطاب السياسة في كتابات فلكلورية تبسيطية، تراك تصر على تفكيك الخلفيات الكبرى وكشف الجوانب المضمرة ووضع حال الأحزاب ووقائع السياسة، في إطار تفسيري أوسع وأعمق يتقاطع مع خلاصات باحثين كبار في علم السياسة، مؤسسا افتتاحياتك على دلائل وحجج ومنطق رصين، لا على المغالطات والابتذال والاجتزاء المضلل. وبذلك لا تؤسس للقارئ/ الجمهور المنشود..

هناك مسألة أخرى لا تقل أهمية. كما تعلم، فشعب المصوتين في هذا البلد السعيد أعطى في المحطات الانتخابية الأخيرة (العامة وليس الجزئية) تفوقا كبيرا للإسلاميين. وهؤلاء ليسوا محط ترحيب كبير لا محليا ولا إقليميا ولا دوليا. وشرعية الصناديق لا تعني الكثير في العالم العربي عموما. وفي بعض افتتاحياتك تساند آراء عبدالإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية. صحيح أنك تعارضه، أيضا، في قرارات واجتهادات سياسية أخرى، وحين تسانده أو تعارضه لا تفعل ذلك على أساس صلاته في المسجد أو صيامه في رمضان أو آرائه في الحجاب، وإنما على أساس دفاعه من عدمه عن الثابت الرابع من ثوابت الدستور ألا وهو الخيار الديمقراطي، لكنك هنا تتناسى أن هناك ثلة صغيرة متنفذة لا تطيق الخيار الديمقراطي أصلا، بله، حين يفرز حزبا إسلاميا! مضافا إليها ثلة تعادي الإسلام السياسي في عمومه جنبا إلى جنب مع فئة قريبة منهما، أكثر تطرفا، لا تحب لا الإسلام السياسي ولا الإسلام ولا الدين ولا الإله ولا أي فئة تفوح منها رائحة المحافظة، دينية كانت أم مجتمعية طقوسية. وتعريف الاختلاف في الرأي، يكون حسب هذا الثالوث الفئوي، هو « حرية الاختلاف في أساليب معارضة الخيار الديمقراطي »، أو باختصار الاختلاف في الرأي يكون على الحقيقة اختلافا في الرأي الواحد! وفي افتتاحياتك، للأسف، لا تلتزم بهذا التعريف، وتحاول تأسيس رأي ثان.. أترى فداحة التهمة؟؟
لا أخفيك أيضا صديقي أن قضيتك تذكرني بسياق تراجعات جمة وأسلوب متكرر يتوسل بشقوق الحياة الخاصة ونوافذ التلصص وترصد النشطاء والصحفيين بـ »تهم مقنعة » و »بديلة » للنيل منهم، وإلا فهل كل من يتهم اتهاما مماثلا يتم إرسال « فيلق » أمني للقبض عليه؟؟ ومن مقر مؤسسته الإعلامية برمزيتها ودلالتها؟ ثم لِمَ مصادرة مفاتيح الجريدة لفترة من الزمن؟ التهم الوحيدة المثبتة في حقك إلى الآن، في نظري، هي تلك التي ذكرتها أعلاه، وأرجو لك الإنصاف فيما عداها.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي