لا شيء تقريبا...!

02 أبريل 2018 - 13:13

لا شيء.. تقريبا”، جملة تصدرت رواية “حتى لا تتيه في الحي” لـ”باتريك موديانو”، الروائي الفرنسي، الحائز على جائزة نوبل للآداب، هذه الجملة تصلح لتوصيف الحالة التي توجد عليها بلادنا منذ إجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث تعرف البلاد أو يراد لها أن تعرف؛ صمتا قاتلا تتمدد على هامشه جدران غرفة الانتظار، وذلك لتسع جموع الملتحقين الجدد من الغاضبين والمحبطين و”المهزومين”، وحدهم فئة “الخبراء” والمخبرين والمتفائلين بلا سبب تقريبا… من يعتقدون أن البلاد على ما يرام، أما النخبة فجزء كبير منها متذمر في صمت، يتابع في حذر ويراقب في قلق متى تصل البلاد إلى الحافة…، أما المتحدثون منها، فيفعلون ذلك في الصالونات المغلقة.

أما المجتمع المدني فتم تمييعه بمفهوم مشوه للتنمية البشرية، فعوض القضاء على الفقر أصبحنا أمام مشاريع ومبادرات تهيكله ليبقى طويلا…، لذلك غابت الجمعيات الجادة والنقاشات والأنشطة الثقافية المسؤولة والملتزمة، وفرغت دور الشباب في غالبيتها سوى من ضحايا النظام التعليمي، ممن لم تحتضنهم لا المدرسة ولا معاهد التأهيل المهني ولا أوراش العمل، ومعدلات البطالة ارتفعت وتوسعت وأسقطت كثيرا من الأوهام بخصوص القطاع الصناعي ومعدلات النمو.

على مستوى الحقوق والحريات نشهد كيف تضيق مساحات الاحتجاج العمومي السلمي يوما بعد آخر، وكيف يتم تنميط الإعلام الذي عوض أن يكون مستقلا، أصبح مستقيلا من كل القضايا الجوهرية التي تعرفها البلاد، بل الأسوأ من ذلك هو ظهور مدرسة إعلامية تتولى تسفيه كل صاحب رأي أو موقف يغرد خارج السرب، في استنساخ مؤسف لما تراكم في مصر بعد الربيع العربي من زواج مشوه للرأسمال بصاحبة الجلالة، فبدل تغطية الأحداث أصبح الهدف هو التغطية عليها، إعلام يكاد يصيح بمقولة لستندال صدر بها “موديانو” روايته السالفة الذكر: “لا أستطيع نقل واقع الأحداث، لا أستطيع أن أقدم عنها سوى الظل”…

الاحتجاج الاجتماعي متواصل من الحسيمة إلى زاكورة فأوطاط الحاج إلى جرادة، والجواب واحد هو المزيد من الضبط الأمني، في ظل العجز الكلي عن بناء جسور الثقة مع المتظاهرين لتصديق الوعود والالتزامات.

هكذا، وفي كثير من الميادين والمجالات، لا شيء تقريبا يستحق أن يذكر، وحدها المؤسسات المالية الدولية نظير البنك الدولي وصندوق النقد، من يرسمون أحيانا صورة وردية عن الأوضاع في البلاد، وهي مؤسسات أثبتت التجارب الدولية المقارنة، أنها تأتي والخراب في أثرها، من جنوب شرق آسيا إلى الأرجنتين وتركيا وغيرها، ليس هناك نموذج استطاع أن ينهض وهو تحت وصايتها، وحدها لحظات التمرد عليها، ما يشكل انطلاقة حقيقية لاقتصاديات حققت ما يشبه المعجزة.

لماذا تسود هذه الحالة غير المسبوقة من الشك وعدم اليقين في مستقبل البلاد؟ كيف تغيرت الشعارات الحماسية والطموحات المعلنة والإقبال على المستقبل إلى لغة صدئة يغزوها اليأس والإحباط والشك؟ كيف تحولت البلاد من خطاب المصالحة والإنصاف والعدالة الانتقالية والعدالة المجالية وجبر الضرر الجماعي والفردي، إلى خطب ومرافعات وبلاغات النيابة العامة وهيئات الدفاع والقضاة، بمناسبة محاكمات ستظل محفورة في تاريخ البلاد، كما حفظت محاكمات من العهد السابق؟

باختصار شديد.. كيف كنا نطمح لكل شيء، فأصبحنا أمام لا شيء تقريبا؟

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي