عيطة داودية

10 مايو 2018 - 11:55

كيف يجب أن ننظر إلى لحسن الداودي؟ هذه شخصية محيرة. ومع ذلك، فهو رجل مخلص للفكرة القائلة: إنه الاقتصاد يا غبي! وفي مثل هذه النظريات، بشكلها البسيط، تكون الحاجة إلى الأغبياء أمرا مطلوبا.

في مجلس المستشارين، تحدث الداودي مثل أي مسؤول تواصل ضعيف الكفاءة، كأولئك الذين توظفهم الشركات بالمغرب، ويظهر ضعفهم المبين في أول معركة جدية. لقد قال إن يده على قلبه من أن يتخلى الفرنسيون عنا، ويغادروا البلاد تاركين شركة توظف بضعة آلاف من العمال.

حسنا، هذه حجة تُستعمل عادة كآخر شيء قبل أن يُلف حبل المشنقة حول عنق شخص ما؛ أن ارحموا أولاده.

تكسب هذه الحجة قيمتها من قدرتها على الاستثارة العارمة لمشاعر العطف عند الناس نحو أشخاص لا يختلفون عنهم في شيء.

عمال بسطاء بأجور بسيطة في الغالب، يتحملون مصاريف أسر. وعندما يشرع امرؤ في هذه العملية البئيسة من الاستعطاف، فإن ذلك معناه أن لا حجة له على ما يلام عليه.

وضع الداودي عمال شركة حليب، كانوا قبل حملة المقاطعة يحتجون باستمرار على خطة داخلية لحرمانهم من حقوقهم الأساسية، مشكلة رئيسة في الحملة. هؤلاء العمال الذين جرى تجاهلهم تماما، عندما كانت شركتهم بصدد تحويلهم إلى «أقنان»، سيتحولون فجأة إلى مصدر أسى حكومي. وبطبيعة الحال، فإن مصير العمال يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، لكن الداودي، وحتى رئيسه في الحزب والحكومة، لا يبدو أن ما يهمهما هو مصير العمال أنفسهم، وإنما شعور أرباب الشركة إزاء المسؤولين غير القادرين على فعل شيء بخصوص هبّة شعبية مفاجئة في بلاد يعتقد من هم خارجها أن كل شيء داخلها قابل للسيطرة والتلاعب. بلاد يمكن للمستثمر الأجنبي فيها، على الخصوص، أن ينام قرير العين بفضل كل التطمينات الرسمية المعززة لأرباحه.

الداودي، كإسلامي، لا يفكر مثل عمر بن الخطاب. لقد رمى بتلك الأفكار البالية منذ زمن بعيد، حينما كان يُلجأ إليه باستمرار لتلخيص الاقتصاد الإسلامي في فئة المحرمات في الشرع. الداودي يفكر الآن، مثل فرانكفوني أصيل، ذي خلفية بورجوازية.

كنت دائما أجد صعوبة في تفسير وجود الداودي بين الإسلاميين، فهو وإن كان يبدو شخصا محافظا، فإن أفكاره الجديدة في الاقتصاد لا تعني الإسلاميين. لا يمكن لأي ليبرالي، إذن، أن يعترض على الداودي، فهو المدافع الصلب عن كل ما يمكن أن يكون مفيدا للشركات.

ومثل محاسب جيد، فإن الداودي يفتح آلة الحساب ويشرع في عد الأرباح والخسائر، ولقد وجد، ذات مرة، أن التكوينات الجامعية في الأدب والحقوق غير مجدية، وعرض التخلص منها.

كان مثل براغماتي لا يؤمن بأن للشعر فائدة إن لم يكن يضيف درهما إلى حسابه البنكي.

وهكذا دواليك حتى أصبح مرتعبا، أكثر من الشركة المركزية للحليب نفسها، من تدهور أرقام معاملاتها.

وكرجل خسر ثروة والده -أو نصيبه من الميراث كما زعم- في كسب الانتخابات متنقلا من دائرة إلى أخرى، فإنه على دراية كبيرة بما يعنيه أن تكون ثريا ثم تفقد كل شيء لسبب مثل كسب عطف الناس أو خسارته.

لذلك، فإن من يستحق التضامن، ربما قبل عمال الحليب، هو الداودي نفسه، فهو يمثل الشعور الروتيني بالانقباض لدى الطبقة البورجوازية المحصنة بعجين مختلط من الجشع والولاء، عندما تشعر بالتهديد من الناس العاديين.

في إحدى المرات، وفي تاريخ بعيد، كان الداودي مناضلا إسلاميا شرسا في «تحريم الربا»، ويبحث له عن «المبررات الاقتصادية».

ولاحقا، عندما سُمح بتأسيس البنوك الإسلامية قبل عام من الآن في المغرب، والتي لم تقم سوى بوضع حجاب على الربا، أطلق الداودي عبارته الشهيرة: «هذا جهاد في سبيل الله». حينها قال أحد الظرفاء معلقا: هذه عيطة داودية.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواطن منذ 5 سنوات

و متى كان ما يسمى بهتانا اﻹقتصاد اﻹسلامي (إن وجد) غير ليبرالي ؟ في خانة يمكن وضع البنوك اﻹسلامية ؟ تكتفي بوضع خمار على الربا فيصبح حلالا.

مواطن منذ 5 سنوات

كيف يجب أن ننظر إلى لحسن الداودي؟ بإزدراء زائد على اﻹزدراء الذي يخصه الشعب للوزراء و الحكومات الذي يبتلى بهم. سبب تخصيصه بالزائد هو و "إخوته" الخيبة بعد خيانة ثقة الذين صوتوا لصالحهم. "سنطيحتو" تجعلك تظنه ولد مخزنيا.

مواطن منذ 5 سنوات

لربما عطية الداودية "عني صاكي.." أقل عهرا من خرجات هذا الشخص. فهي لم تدعي التأسلم و تطهير النفوس من المعاصي و لم تتخذ من الله وسيلة لبلوغ أهدافها. و لم "تتلون" أو تتمخزن.

التالي