الوطن أم المحروقات؟

22 مايو 2018 - 13:23

«السياسة هي محاولة يائسة لإثبات أن المال لا يجعل الإنسان سعيدا»

سبايك ميليغان

إلى أي متى سنظل نستمتع بامتعاض شديد، “إذا صح التعبير”، بالمسرحية الرديئة التي تُدعى بالتوافق الحكومي؟ فكل طرف يطعن الآخر من الخلف؟

فصول مناقشة وتقديم تقرير اللجنة البرلمانية الاستطلاعية حول المحروقات، كانت بمثابة تلك القشة التي قسمت ظهر البعير، ذلك أن هذا التقرير في صيغته الأولى، كان يتضمن أرقاما مهولة تستفز المستهلك، وكأن المغرب جنة من الأرباح الخيالية، وحين انطلقت المفاوضات السرية منها والعلنية، ثم غض الطرف عن تلك الأرقام المخيفة، فقط لأن الوحدة الحكومية أفضل من قول الحقيقة للمواطنين، ليأتي التقرير في نهاية المطاف أجوفا.

وللهروب من المسؤولية، وتفادي الإحراج، سيلجأ البعض إلى تسريب التقرير الأصلي نصا، أو تصريف مضمونه عبر تصريحات رسمية لمختلف وسائل الإعلام.

فالتقرير الذي انتظره الرأي العام بفارغ الصبر، كان فارغا بسبب ضغط رئيس الحكومة على فريقه في البرلمان، حتى لا يخسر وحدة حكومته، بينما فريقه في البرلمان كان همه أن يقول أشياء دون الاصطدام مع أمينه العام ورئيس حكومته، فكتب في التقرير أشياء، وصرح بنقيضها، وكأننا أمام مسرحية من مسرحيات مدرسة العبث، أو كأن الأرنب يظهر ويختفي في قبعة الساحر.

إنها ممارسات سياسية تثير استفزاز المواطنين، وتحرق الزمن السياسي، وتهدم الثقة في الدور الرقابي للبرلمان، فمسؤولية الحكومة ليست فقط، جبي الضرائب أو حراسة الخزائن، بل إنها تنصب على السوق، وعلى تنظيمه وتوجيهه، وإذا كانت هناك من قوانين غير صالحة وجب تعديلها من أجل المصلحة العامة للوطن.

هناك، مثلا، دول في قمة ليبراليتها، تتدخل بشكل مباشر في السوق، وتحدد السقف الأعلى للأرباح الذي لا يجوز تجاوزه أثناء بيع بعض المواد الأساسية، كما أن هناك دولا أخرى بنت مؤسسات للحكامة، تعلن الأرقام والحقائق للناس، باستقلالية عن الحكومة وعن ذوي المصالح، فتشكل تلك الحقائق نوعا من الضغط النفسي والاقتصادي على جشع الرأسمال، لأن الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، مرتبط باستقرار القدرة الشرائية والثقة في المؤسسات السياسية للوطن.

إن من يريد أن يضحي بالوطن من أجل توافق حكومي هش، أو لتمرير تقرير برلماني أجوف، ما هو في الحقيقة سوى سياسي أهوج، يدافع عن الذات السياسية ويلغي مهامه ذات البعد الوطني، فلا يهم أن يتمسك السياسي بكرسي مفروش بالأشواك من أجل إرضاء حليف، أو حتى طبقة سياسية معينة، ولكن الأهم هو ضمان الاستقرار والسلم الاجتماعي للوطن، كمسؤولية للدولة، و لكن كذلك مسؤولية الرأسمال والأحزاب والنخب.

فإذا كان الوطن للجميع، فإن على هذا الجميع أن يتحمل أعباءه، كما أن التضحية بجزء من الأرباح من أجل الاستقرار وبناء المستقبل، أفضل بكثير من خسران كل شيء، فالوطن يحتاج إلى الجميع، أما أن يقوم البعض بتقزيم هذا الوطن في مجموعه من الأرقام بين الخسارة والربح، فليس من الوطنية في شيء، بل هو تضحية بتاريخنا وباستقرارنا من أجل الجشع والذاتية والمصلحية الضيقة.

فالوطن أعطى الكثير للرأسمال، والمواطنون تحملوا العديد من أجل استقرار الوطن، واليوم، بلغ السيل الزبى، وعلينا الآن أن نستمع إلى المواطنين، لنقول لهم نحن هنا من أجلكم، وليس فقط، من أجل الرأسمال الوطني، فالحكومات الرشيدة والحكيمة هي التي تصنع التوازن بين الأطراف، وتفضل المستقبل على امتيازات حكومية، كما تصنع وطنا يقوده رجالات الدولة الذين لا يخشون من قول الحقيقة، لأن هذه الأخيرة هي الضمان الأساسي لاستمرار الوطن.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي