المجتمع المشلول

01 يونيو 2018 - 15:08

لقد توقعت واستنكرت، منذ فترة طويلة، الدستور العالمي لما سمّيته بــ” الطبقة الراقية”، المعزولة عن بقية البشر (المنقسمون هم أنفسهم إلى “رحّل دنيويين” أُجبروا على الهجرة للبقاء على قيد الحياة و”الإقامة المؤقتة”، ساعيين إلى الانضمام بشكل يائس إلى الطبقة الراقية للرحّال الراقيين خشية السقوط في الترحال الدنيوي والمشاركة في المسرحيات التي تعرضها كل الأطراف في وسائل الإعلام). لذا أشعر بالقلق الشديد إزاء جميع العلامات والمؤشرات التي تتراكم، مؤكدة أن العالم أمسى من الآن فصاعدا حقيقة واقعية.

لقد تكاثر- في الوقت الراهن- عدد أولئك الذين يتوفرون على رأس مال ثقافي ومالي في كل أنحاء العالم، سواء المتقدم أم غير المتقدم، الأنغلوساكسوني أم الفرنسي، وأصبح يوجد ما يكفي منهم كي يعيشون مع بعضهم البعض، ويفكّرون في قيادة العالم وفق قِيمهم وقواعدهم ومصلحتهم وحدها فقط. وبالتالي، لا خيار أمام الآخرين سوى التكيف معهم أو نسيان أنفسهم تماما. الأسوأ من ذلك أن الطبقة الراقية تضم، أيضا، بعض الأسياد من الخدّام، والحاشية، والمنظرين، أو المقلدين الباهتين. في بعض الأحيان، تسمح الطبقة الراقية بقبول بعض الأشخاص من الطبقات الأخرى بفضل مواهبهم المحظوظة أو بفضل العقود. وتضع هؤلاء المحظوظين أو المستحقين أمامها، دون اعترافها بأنهم مجرد ذريعة سخيفة تضفي الشرعية على قوة مجموعة لن تعتبرهم كأشخاص ناجحين على الإطلاق.

من الخطأ أن تعتقد الطبقة الراقية أنها تحكم العالم؛ لأنها لا تسيّر، في الواقع، سوى نفسها. شأنها في ذلك شأن المصاب بالشلل الرباعي الذي لا يتحكم إلا في عقله، وليس في بقية جسده الذي يعمل من أجله، لكنه لا يطيعه، فينتهي به الأمر إلى الثورة على العقل ووضع حد لأوهامه. وهذا ما ينطبق على باريس وكينشاسا ولندن ودلهي، مثلما ينطبق على نيويورك وطوكيو وبكين وموسكو. إذ سرعان ما سيتبين أن الشعوب المُدركة للانتحار الذي تقودهم إليه مثل هذه الممارسات، لن تمتثل للطبقات الراقية هذه، بل سوف تثور عليها. وسيحدث ذلك، بشكل أسرع في الديمقراطيات أكثر منه في الديكتاتوريات. فبعد ” شعار ارحل الناعم”، الذي عرفناه في جميع أنحاء العالم خلال السنوات الأخيرة ، سيأتي “شعار ارحل القاسي”، الذي سيكون سادة التكنولوجيا والمال، وكذا قيمهم وخدّامهم الإيديولوجيين والسياسيين، ضحاياه الأوائل. آنذاك سيجرف هؤلاء السادة العالم إلى فوضى معتمة ودائمة.

إذا كان الأقوياء والشعوب يسعون إلى تجنب الأيام المتوالية الحالكة، وانتشار الشعبوية المتمركزة حول الهُوية، وكراهية الأجانب، وحب الذات، والشمولية في كل أنحاء الديكتاتوريات المتجاورة، المُغلقة والمعادية لبعضها البعض، بدعوى حمايتها لهُوية الشعوب ومستقبلها. إذا كان الأمر ذلك، فلا بد من التعجيل بفتح قنوات المعرفة أمام الجميع، وكذا سبل الوصول إلى الثقافة، وإثبات الذات، واحترام الآخرين. لا بد أن نتحلى بالإصغاء، والاحترام، والتعاطف، وحب الآخر على جميع المستويات.

لن يحدث ذلك إلا عبر ثورة في التعليم، تكون بمثابة وسيلة لتوزيع الناس على الطبقات المختلفة، أو بواسطة موقف مختلف تمامًا للأغنياء والأقوياء تجاه بقية الأحياء. لاتزال الغطرسة حفار قبور الحضارات الدائم، ولايزال التواضع شرط التقدم البشري. أما الغيرية، فستظل أكثر أشكال الأنانية ذكاء. من يتذكر ذلك؟ وأخيرا، سيحدث ذلك، من خلال الجرأة على رفض الاحتذاء بالآراء المتشددة، حول توفير مناصب المسؤولية لأشخاص يفتقرون إلى مستوى دراسي رفيع. هنا ستوجد، بكل تأكيد، العقول النيرة والشُّجاعة التي ستجرؤ على التفكير في المستقبل بشكل متفائل.

عن ليكسبريس

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي