سقطة وزير أم أزمة اختيار

08 يونيو 2018 - 13:27

بعدما أسقطت أحلام عزيز أخنوش في أيام، حققت حملة المقاطعة الشعبية إنجازا ثانيا لها، لم يكن منتظرا، تمثل في إجبار الوزير الحسن الداودي على تقديم استقالته. وإذا كان لا بد من الإقرار بأن خطوة الاستقالة قرار سياسي شجاع، في ظل وجود نخبة سياسية مصابة بفقر الشجاعة والأخلاق معا، فإن سقطة الوزير الداودي لا يمكن أن يتحملها وحده، بمبرر أنها ثمن تقدير سياسي خاطئ، لأن الأزمة أكبر من ذلك.. إنها أزمة اختيار سياسي.

ذلك أن هدف المقاطعة لم يكن إسقاط وزير أو حكومة، ولحد الآن لم يُرفع هذا الشعار مع أن ما يحدث في الأردن يشجع عليه، بل كانت حملة دقيقة في اختيار الرموز (أخنوش، بنصالح، فرنسا) والأهداف (رفض زواج المال بالسلطة). وكان منتظرا، إزاء ذلك، أن يخرج عزيز أخنوش لتقديم الجواب، خصوصا أنه شيّد أحلاما كبيرة تمتد إلى ما بعد 2021، لكنه تصرف، كأي رأسمال جبان، انطوى على نفسه يراقب من بعيد، ولم يكلف نفسه عناء التواصل مع المواطن، ولا أن يشرح له لماذا سمح لنفسه، باعتباره من مالكي شركات توزيع المحروقات، بتحقيق أرباح غير أخلاقية تتعدى 17 مليار درهم في أقل من ثلاث سنوات.

وفي الحقيقة، اختارت الحكومة كلها تتبع الحملة كأي متفرج، بعض وزرائها صبّ الزيت فوق النار، كما فعل محمد بوسعيد، وبعضهم الآخر حاول امتصاص الغضب دون جدوى. لو أن الحكومة تصرفت بمسؤولية سياسية منذ اليوم الأول، لما وصلنا إلى الوضع الحالي، والسبب أن لدينا رئيس حكومة لم يدرك بعد أن التواصل اليومي والمستمر مع المواطنين هو جوهر السياسة في عصر «الفايسبوك»، وليس توزيع بلاغات جافة من كل معنى.

الحسن الداودي، إذن، ضحية عدة اختيارات؛ فهو، أولا، ضحية اختيار حكومة مفصولة عن الواقع، لا يأبه لها المواطنون، ولا يسمعون لوزرائها، إن لم يسخروا منهم، لأن الظروف التي ولدت فيها كانت من صنع أخنوش. وأخنوش هذا هو من احتج عليه الناس في الريف، إذ لا ننسى أن مقتل محسن شكري كان بسبب الفساد في قطاع الصيد البحري الذي يدبره منذ أزيد من 13 سنة، وهو من تستهدفه اليوم حملة المقاطعة بسبب الجشع الذي أظهره في قطاع المحروقات.

كما أن الداودي، ثانيا، ضحية اختيار سياسي لحزبه، الذي صوّت له الناس من أجل توسيع هامش السياسة، فإذا بقيادته الجديدة تنقلب على هذا الاختيار، دون أن تقدم بديلا مقنعا لحد الآن. وهكذا، صار الرأي العام يلاحظ أن قواعد الحزب باتت من أقوى المعارضين لقيادته ولوزرائه في الحكومة. وحرّي بالعثماني وإخوانه تأمل هذا الوضع جيدا، لأن من بين دلالاته أن قناعات القيادة لم تعد تعبّر عن تطلعات قواعد الحزب، ولا أدري كيف يمكنها تعبئة تلك القواعد في معاركها المقبلة، وهي تعلم أنها غالبيتها تحركها الفكرة وليس الإغراءات.

والداودي، ثالثا، هو ضحية عفويته، فالرجل معروف عنه الدفاع عما يبدو له صوابا ولو خالف الجميع، ولا يكتفي بالتعبير عن موقفه ويمضي، بل يناضل من أجله في الميدان. لم يدرك، وهو الذي تقلب في عدة مناصب سياسية، أن السياسة لا عفوية فيها، وأن من أبدى النيّة الحسنة في غير محلّها يعتبر ساذجا، وأن مواجهة مجتمع في حالة غضب ليست من الكياسة ولا السياسة في شيء، وأن الوزير الذي ينتخبه الناس للدفاع عن مصالحهم يبقى مدينا لهم، وليس لشركة أو منصب أو قناعة خاصة به.

الداودي ضحية اختيارات سياسية، ومن المؤسف أن يدفع وحده الثمن، خصوصا أن استقالته لن تحل الإشكال، سواء داخل حزب العدالة والتنمية الذي فقد البوصلة، أو في ما يخص علاقة الحكومة بالمجتمع. والمطلوب رجّة سياسية تعيد للسياسة معناها، وتحد، ولو قليلا، من جشع بعض رجال المال والأعمال، ومن صلافة بعض الأمنيين الذين يدوسون على كرامة كل من اعترض على تلك الاختيارات.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي