الجراري: تدين المغاربة أصبح مظهريا احتفاليا أكثر من كونه حقيقيا

26 يوليو 2018 - 23:00

عباس الجيراري، مفكر وأكاديمي مغربي مرموق، ومستشار للملك محمد السادس. أغنى المكتبة المغربية والعربية بعشرات الكتب في الفكر الإسلامي وقضايا الثقافة والتراث. في هذه السلسلة الحوارية، يفتح الجيراري قلبه وعقله لـ«أخبار اليوم» حول كل شيء. 

بخصوص الفراغ الروحي والفكري في ما يتصل بالدين، الملاحظ اليوم أن هناك اهتماما أكبر بالمظاهر أكثر من الاهتمام بالمبادئ الروحية، وهناك تناقض صارخ بين مظهر المجتمع وجوهره، الذي تدل عليه سلوكاته. كيف تقرؤون ذلك أستاذنا؟

التدين اليوم أصبح أقوى مما كان سابقا، إذ نجد أن كثيرا من الشباب يصلون، ويلجون المساجد. لكن نخشى أن يكون هذا التدين مظهريا. وعند التحليل والتأمل يبدو كذلك، يبدو التدين احتفاليا أكثر من كونه حقيقيا… مثلا، في رمضان، نلاحظ كيف يتضخم الصراع والعنف في الأسواق، وكيف يتهافت الناس على البضائع، وعلى مختلف أنواع المأكولات، كما يتهافتون على السهرات وبرامج الفكاهة والضحك، وهذه كلها أشياء لا تمت بأي صلة إلى عبادة الصوم. هذه ليست من مظاهر العبادة التي يفترض أن تمتلئ نفس من يقوم بها بالطمأنينة والسلام اللذين ينعكسان على سلوكاته.
أعتقد أن ما أصبح يطغى على المغاربة هي التقاليد، التي لم يكن الاهتمام بها بهذا الحجم على حساب الدين سابقا.
لذلك نقول إنه ينبغي إعادة النظر في هذا النوع من التدين. ينبغي أن يبتعد التدين عن المظاهر الاحتفالية والشكلية، خاصة منها تلك التي تغرق المواطنين في الأزمة، فالمواطن اليوم يرهق في الأعياد في سبيل توفير أشياء يعتقد أنها جوهرية، وهي ليست إلا تقاليد هامشية.
الملاحظ في السنوات الأخيرة تزايد عدد المشايخ والدعاة، وبينهم كثير لا تتوفر فيه صفات الداعية الحق، ومع ذلك نراهم يطلون عبر قنوات ومنابر إعلامية مختلفة يفتون بشكل يومي في العبادات وغيرها، يحللون ويحرمون، لكن فتاوى أغلبهم فارغة روحيا، ولا تتماشى والفطرة السليمة. فكيف ترون هذا الوضع؟
الفتوى اليوم تتعرض للفوضى، على الصعيد العربي وليس فقط الوطني. فكل من هب ودب أصبح يفتي في شؤون الدين، يحلل ويحرم وما إلى ذلك.
في المغرب، أنشأ جلالة الملك المجلس الأعلى، وهو الذي يترأسه من أجل ضمان بقاء الفتوى في مكانها الحق. لكن مع ذلك نجد بعض المهرجين، للأسف، يفتون هنا وهناك دون حسيب أو رقيب.
إذا كان هناك مهرجون يتطفلون على الفتوى في شؤون الدين، فلماذا لا يحاسبون؟
هؤلاء يسيئون فعلا إلى الدين، فالمواطن يتأثر سلبا بإنصاته إلى ما يقدمه عدد ممن يعتلون منابر الفتوى. ذلك أن هذا المواطن المغربي ينطلق في سلوكاته وردود أفعاله من ثقته في كل ما يقال باسم الدين. لذلك، ينبغي ألا نقدم له إلا ما هو ثابت وسليم، وهو ما من شأنه أن يكون نافعا له وفي صالحه.
«ينبغي أن نقدم للمواطن ما هو صالح وسليم»، قولكم هذا يقودنا للحديث عن المسألة الدينية وكيفية تدبيرها من طرف الدولة المغربية حتى لا تشوه صورة الدين الثابتة. فكيف ترون دور الدولة في ذلك؟
هذا السؤال يعود بنا إلى مسألة أساسية ركزنا عليها وكررناها سابقا، وتتعلق بالتعليم، على اعتبار أنه أساس التنشئة السليمة، التي من شأنها أن تحفظ الصورة السليمة والحقيقية للإسلام لدى المواطن. والتعليم هنا عبر مادتي التربية الإسلامية والفكر الإسلامي.
وعنصر المناهج المتبعة هنا له دوره، دون إغفال أن قضية التربية على المنهج السليم ليست مسؤولية جهة وحدها، وإنما هي مسؤولية مشتركة، بين الأسرة والمدرسة والنخب، وهي مسؤولية الشارع أيضا. هذا الشارع الذي كان سابقا ينبه إذا ما وقع الخطأ، ولم يعد كذلك اليوم.
اليوم، كما يقول المثل، «خلا لك الجو فبيضي واصفري»، بمعنى أن الأمور حين تكون دون رقيب ومنهج تتحول إلى فوضى، وكل يفعل ما يحلو له دون اكتراث لما قد يسيء إليه.. وهذا هو الحاصل في الفتوى الدينية، التي أصبحت، اليوم، مشرعة على قنوات مختلفة ومنابر ومواقع إلكترونية. وهذا شيء ينبغي أن يضبط، وينبغي أن نحصن منه المواطن. ولتحصين المواطن ضد فتوى الفوضى وضد كل شيء غير مقبول لا بد أن نمكنه من تعليم وتربية صحيحين.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

Adiri Ahmed منذ 5 سنوات

بإيجاز الدين في المغرب أصبح تقليدا فولكلوريا يعبر عنه باللباس و الكسكسو يوم الجمعة أما الأخلاق والتعامل فلا علاقة لهم بالدين لقد أصبح المغاربة إلا قليل منهم شياطين تمشي فوق الأرض !!!

التالي