ربيع القاطي: في المغرب تمارس علينا سرقتان مباشرة وغير مباشرة (الحلقة 1)

09 أغسطس 2018 - 02:00

حوار مفتوح هو لقاء لـ»أخبار اليوم» مع القوة الناعمة المؤثرة في الرأي العام، فنانون ومثقفون مغاربة نطرح عليهم السؤال حول فيلم أو عمل فني من جنس آخر كان له الأثر في حياتهم، ومنه ينطلق التفاعل لطرح أسئلة أخرى مفتوحة. ضيف الحلقة الأولى الممثل المثقف ربيع القاطي.

كممثل نود معرفة أهم فيلم سينمائي شاهدته إلى حدود موسم الصيف وترك الأثر الأكبر لديك؟

هذا العام، قررت في ثقافتي المرتبطة بالمشاهدة السينمائية العودة لريبيرتوار أفلام سينمائية طبعت تاريخ السينما العالمية، أفلام تعتبر الآن كلاسيكيات الفن السابع. ومؤخرا شاهدت فيلمين، « سائق الطاكسي » Taxi Driver لمارتن سكورسيز، من بطولة روبيرت دي نيرو وجودي فوستر، وفيلم « فراشة » Papillon  للمخرج الأمريكي فرانكلين شافنر من بطولة كل من ستيف ماكوين وداستين بابيلون. وهما فيلمان سبق وأن شاهدتهما وأنا صغير، حين لم أكن كمتفرج على قدر من الوعي والدرايا بخفايا وعوالم السينما لإدراك أبعادها. ولهذا السبب أعيد المشاهدة لأعيد اكتشافها بعين عارفة وواعية كممثل.

أي الفيلمين رسخ الوعي بقيم أكبر لديك وما الذي شدك فيه؟

هو فيلم « فراشة » لفرانكلين شافنر وما شدني فيه هو فكرة التشبت بالأمل إلى آخر رمق في الحياة. ونرى فيه كيف أن مساجين من مختلف الأقطار، مساجين رأي وغيرهم، أسروا ونكل بهم وذاقوا أصناف العذاب لكن ذلك لم يقتل الأمل لديهم وظلوا متشبتين بالأمل في الخلاص.. أمل في الفرار من السجن. أمل يستمر في كل مراحل الفيلم، فنرى كيف أن البطل الذي يعذب بعد كل محاولة فرار، يعود للمحاولة وحتى عند آخر مشهد نرى البطل يحاول الهرب وقد أصبح شيخا، يتمكن من تحقيق خطته وهدفه ويلقي بنفسه في البحر هربا من السجن. وغير ذلك فللفيلم دلالات أخرى يحكمها السياق ومعاني عميقة. والعنوان يحمل دلالة سيميلوجية عميقة في كل هذا « فراشة ».

هل ترى أن فيلم « فراشة » يحاكي تجارب ما في الواقع المغربي الحالي؟

أتحدث هنا عن السجن بمعناه الفكري العميق، وليس بمفهومه المادي، وعليه أقول إننا مساجين ظروف الحياة عموما.. نحن مساجين في هذه الدنيا، بشكل أو بآخر.

لنترك السجن مفتوحا على كل المعاني، والقراءات، فكرية ومادية كما في الفيلم، وأطلب منك التخصيص والوقوف عند حدث أو واقعة محددة، سواء عامة أو خاصة تعرفها ماذا يمكن أن تقول لنا؟

أكيد ثمة وقائع مماثلة يعيشها المواطن المغربي.. وأعيد القول نحن في سجن الدنيا، والدنيا لها عوالمها. حين نعيش في مجتمع تكثر فيه التجاوزات، ونرى الكثير مما يحز في أنفسنا كل يوم، تقيد حريتنا ونحرم سلامتنا في الحياة.

ومن تلك الأمور المقيدة التخلف والجهل الذي يمضي فيه المجتمع، وارتفاع نسبة الجريمة، إذ لم يعد يسود السلم الاجتماعي بمفهومه الحقيقي والنبيل. المجتمع، اليوم، أصبح يتبرأ من القيم والمثل. ووسط كل هذا يشعر المرء بأن خناقا يمارس عليه. فيجد نفسه يعيش في قوقعة مجبرا. وعليه فنحن نطمح أن نفر من هذا الحال، من هذه الظروف التي أصبحت تحكم المواطن المغربي، من هذه الأخبار السلبية التي أصبح بطلا لها في كل صباح.

طيب، بصفتك فنانا مثقفا واعيا بقضايا مجتمعه، ما أكثر ما يؤرقك حاليا وتراه الأجدر بالاهتمام ووضعه أولوية كبرى في إصلاح المجتمع المغربي؟

سألخص لك الأمر في رؤية شخصية وهي أن السرقة أصبحت عنوانا عريضا للمجتمع الذي نعيش فيه. سرقة مباشرة وسرقة غير مباشرة.

هلا فصلت رؤيتك هذه أكثر؟

الواقع يفضح نفسه، وما نراه ونسمعه يوميا من حجم السرقات والنهب الذي يتعرض له المواطنون في الشارع يدعو للقلق ويغيب لدى المواطن المغربي الإحساس بالأمان في الشارع. وهنا أستحضر ما قاله مفكر عربي في حوار قرأته أخيرا، وشخصيا أتبناه عنه. وأنقله بطريقتي. ومفاد قوله أنه في مجتمعاتنا العربية نتعرض لسرقتين. السرقة الأولى حين يختارك السارق في الشارع أو غيره فيسلبك أشياءك الخاصة. أما السرقة الثانية فهي السرقة السياسية، وهذا النوع من السرقة نحن من يختارها وذلك من خلال اختيارنا للمسؤولين، أولئك الذين ننتخبهم كي يمثلونا، ويتحدثوا باسمنا عن حقوقنا، سواء أحزاب في الحكومة، أو رؤساء الجماعات، وما شابه ذلك.

والفرق بين السارقين، أن السارق الأول، يحاسب حسابا عسيرا إن عُرِف، أما السارق الثاني، وهو السارق السياسي، فهو يسرقك ويقيد ويقوض عيشك ويحرمك حلمك، وهو محصن ومحمي ولا أحد يجرؤ على فضحه.

وكأن الأمر يتعلق بعقاب على الاختيار إذا ما صدقنا أن ثمة اختيار أساسا للسارق الثاني؟

نعم، وكأنه عقاب إلهي مفاده أنت من اخترت سارقا يسير خبزك، فهذا السارق يعاقبك بشتى الألوان طيلة فترة انتخابه. وأكثر من ذلك فالسياسي السارق يعاقبك والدولة لا تعاقبه، وقلما قد يحدث العقاب.

على ذكر العقاب على سوء التدبير والتسيير، أعفى الملك مؤخرا وزير الاقتصاد المالية محمد بوسعيد، صاحب النعت الشهير « المداويخ »، ما رأيك في هذا الإعفاء؟

في هذا الصدد أعود لأكمل السؤال السابق، المرتبط بالسرقة السياسية، وأقول إننا رغم وجودها، نحمد لله على وجود سلطة عليا في البلاد، أعلى من هؤلاء الذين يمارسون السرقة، وهي سلطة الملك، الحكم والفيصل.

ولعل وجود الملك هو ما ينقد ماء الوجه، ويعيد الطمأنينة إلى المغاربة، فهو لا يخشى لومة لائم في قول كلمة حق. ولديه في سبيل ذلك آليات يكفلها له الدستور، وبها يحمي حقوق الشعب وهذا ما يقع وما سيقع، والنماذج كثيرة ولا تخص فقط الحالة التي ذكرت.

ونحن لا نملك إلا أن نكون مع قرارات الملك فمن سييحمي حقوقنا كمغاربة؟ لولاه « كنا نباتوا ونصبحو ما نلقاو غير حنا والشجر فوق هاد البلاد ». فلا نموذج أثبت ولاءه للوطن بما تحمل كلمة ولاء من معنى، الواقع يؤكد أنه لا يوجد لدينا غير المستغلين وأصحاب الحسابات الضيقة والمصالح الحزبية. وأختم بالقول الحمد لله أن لدينا ملك ولديه سلطات تخول له أن يكون المراقب والحكم والفيصل.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي