برياح: فنان مغربي يهودي مصدر ولعي بالراي والحسن الثاني أسدى لي النصح

01 سبتمبر 2018 - 02:11

حوار مفتوح هو لقاء لـ«أخبار اليوم» مع القوة الناعمة المؤثرة في الرأي العام. فنانون ومثقفون مغاربة نطرح عليهم السؤال حول فيلم أو عمل فني من جنس آخر كان له الأثر في حياتهم، ومنه ينطلق التفاعل لطرح أسئلة أخرى مفتوحة. ضيف حلقة اليوم رشيد برياح، أحد رواد فن الراي في المغرب، والذي سعى إلى تجسيد ولعه بهذا اللون، فسطع نجمه سنوات الثمانينات والتسعينات وبعدها.

لكل منا ذاكرة مطبوعة بالأشياء الجميلة ونقيضها، بما فيها الأعمال الفنية التي نتعرف عليها أو نشاهدها. ما هو العمل الفني الذي طبع ذاكرة الفنان رشيد برياح وكان له الأثر على مسارك؟

كما يعرف الجميع، كنت مولعا بالرياضة، وكنت أمارس ألعاب القوى، وبعدها كنت أمارس كرة القدم ضمن فريق المولودية الوجدية، كما مارست أيضا كرة اليد. لكني، في المقابل، كنت مهووسا بالفن، وتحديدا بالغناء وإن لم أكن أزاوله، إلى أن جاءت فرصة حصلت فيها على شريط موسيقي لفنان مغربي يهودي كان يعيش في فرنسا، وهو فنان الراي سليم الهلالي. وشريط هذا الفنان كان له الأثر الكبير علي. وكنت أنصت إلى هذا الشريط بشكل يومي وأردد أغانيه، وأحاول تقليده، إلى درجة أني تعلمت منه كيف أقدم المواويل في الراي. وإعادة ترديد وغناء هذا الشريط كانت بداية مساري في المجال الفني.

هل التقيت هذا الفنان في بداياتك؟ وما ميز هذا اللقاء؟

لم ألتق الفنان سليم الهيلالي إلا بعد حوالي ثلاثة عقود من تعرفي على موسيقاه وفنه، وتحديدا سنة 2008 بباريس الفرنسية، إذ كنت مدعوا لدى صديقي الشاب خالد وزوجته سميرة، حيث قضيت هناك عشرين يوما. سألت عنه، فدلوني على مكان اشتغاله، فالتقيته، وهناك أخبرني بأنه فنان مغربي وكان لذلك الأثر في نفسي. ولم ألتقه بعدها إلى أن علمت أنه توفي بعدما فقد، رحمه الله، بصره.

حدثنا عن كيف وأين كنت تمارس شغفك بفن الراي؟

في مدينة وجدة كان يوجد مقهى يحمل اسم «مقهى البدوي»، وكان يجتمع فيه جميع شيوخ الفن، وهناك كانوا يتدربون ويرتدون ملابسهم قبل أن تذهب كل فرقة لإحياء حفلاتها في الأعراس. وكنت أدمن الجلوس في ذلك المقهى رفقة كأس شاي، وأنصت إلى ما يغنونه. وكانوا يقدمون فن الراي الحقيقي بأصوله «راي الشيوخ القدامى». وكانت الآلات المستعملة هي «الكلال» و«القصبة» و«البندير» و«الزامر». ومنذ ذلك الوقت تشبعت بفن الراي.

كم كان عمرك حين انتقلت من الرياضة إلى الفن؟

كنت ما بين الثانية عشرة والثالثة عشرة، حين اكتشفت اسطوانة سليم الهيلالي. وكنت أحفظ وأغني أغاني الشيوخ الذين تعرفت عليهم في المقهى المذكور، مع الأصدقاء ومع الزملاء في الرياضة. ومن تلك الأغاني أغنية «يا مينة بالسلامة». وأول سهرة مررت فيها على التلفزيون كان عمري 17 سنة.

كيف كان رد محيطك العائلي على انتقالك من ممارسة ألعاب القوى وكرة القدم مع المولودية إلى الغناء؟

كان الرفض القاطع هو الموقف الواضح، خاصة والدي الذي لم يقبل أن أمتهن الغناء. وذلك أخذا بعين الاعتبار أننا عائلة محافظة، وكل من درس منها دخل الوظيفة العمومية. إذ إن جل أفراد عائلتي كانوا يشتغلون في مناصب عليا، إما في وزارة المالية أو وزارة الداخلية. فكان من المعيب أن أحيد عن هذا الخط وأختار الغناء.

والدي لم يكن يفهم حينها أني أريد مسارا آخر غير مسار الغناء في الأعراس، كما هو معروف في المدينة، وأنني أريد احتراف الغناء وتقديم أعمال في التلفزيون وفي سهرات كبرى.

وكيف واجهت هذا الصد وواصلت مسار الغناء وأنت شاب صغير في بداياتك؟

في إحدى المناسبات سنة 1982، كان الحسن الثاني سيزور مدينة وجدة. وفي إطار الاستعدادات لتنظيم سهرة كبرى، اتصلت بي السلطات «عمالة مدينة وجدة»، وطلبوا مني تمثيل مدينة وجدة في محفل غنائي سيشارك فيه نجوم الأغنية والموسيقى المغربية آنذاك، مثل عبد الهادي بلخياط ونعيمة سميح ومجموعة جيل جيلالة. فكان ردي: «أنا لست مغنيا وإنما رياضي»، لكنهم أخبروني بأنهم سمعوا عني الكثير المشرف، فوافقت وتدربت مع فرقة موسيقية وشاركت في سهرة كبرى، كانت هي أول سهرة لي. وأعجب خلالها النجوم بصوتي وتمنوا لي التوفيق.

أفهم من قولك أن السهرة التي شاركت فيها إلى جانب نجوم الأغنية المغربية في الثمانينات كانت قنطرتك للحصول على رضا وموافقة والدك؟

لا، ليست سهرتي الأولى، التي بثت مباشرة على التلفزيون، كانت السهرات ما أقنع والدي باستمراري في مجال الغناء، لأنه توالت بعدها سهرات أخرى في مدن مختلفة، منها سهرات المحمدية وسهرات بوعرفة، بعد ذلك. كما سجلت العديد من الأشرطة الغنائية، ومنها «يا مينة بالسلامة» و«ما عندي حاجة في الناس»، «وصلوا على النبي» وغيرها.

الأمر الذي جعل والدي يقتنع بشكل نهائي أنني لست من مغنيي الأعراس، وإنما فنان من نوع آخر، هو حين تلقيت دعوة خاصة من الحسن الثاني لأغني أمامه بالقصر الملكي في مراكش، وذلك سنة 1982. ومنذ ذلك الحين شققت طريقي دون معارضة من الأهل.

كيف تأتى لك الحصول على دعوة ملكية للغناء في القصر، ولم يكن عمرك يتعدى الثانية والعشرين سنة؟

سنة 1986 أصدرت أغنية حول المنتخب الوطني لكرة القدم، وهي التي يقول مطلعها: «هي هو مبروك علينا هادي البداية ما زال ما زال…». والحمد لله كانت حافزا كبيرا وكنت سعيدا بذلك.

على هامش غنائك في حضرة الملك الراحل الحسن الثاني، هل جرى حديث بينكما؟

أجل، بعد الغناء مررت للسلام على الملك الحسن الثاني، وهنأني وكان جلالته كريما بإسداء عدد من النصائح.

ما النصيحة التي قدمها لك الملك الحسن الثاني آنذاك؟

عبر الملك، رحمه لله، عن إعجابه بقوله «تبارك الله عليك»، وهذا شيء أسعدني، لكن ما فاجأني هو حثه لي على الحفاظ على تراث المنطقة الشرقية، باعتباره عنصرا من عناصر غنى المغرب، وحديثه عن أنواع مختلفة من الإيقاعات في المنطقة، وبينها من لم أكن قد اكتشفته بعد. والحمد لله كانت فرصة لا أنساها للوقوف لأول مرة بين يدي جلالة سيدنا. وبعدها توالت زياراتي للقصر في مناسبات كبرى، بينها زواج الأميرتين «لالة مريم» و«لالة أسماء».

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي