المغرب والقضاء الفرنسي..

05 سبتمبر 2018 - 13:02

بعد تلقيه استدعاءً من طرف محكمة الاستئناف بباريس للمثول أمامها، في قضية تتعلق بالسب والقذف، رفعها الضابط المغربي السابق مصطفى أديب ضده وضد زميلته في موقع «quid»، نرجس الرغاي، خرج الصحافي نعيم كمال يقول إنه ينتظر رد فعل من الخارجية والقضاء المغربيين، فجاءه الرد سريعا من وزير العدل، محمد أوجار، الذي استدعى قاضي الاتصال الفرنسي بالمغرب، وأبلغه احتجاج وزارته على خرق المحكمة الباريسية اتفاقية التعاون القضائي بين المغرب وفرنسا، عندما وجهت استدعاءً مباشرا إلى مواطنين مغربيين مقيمين بالمغرب. برافو أوجار على هذا التجاوب السريع مع نداء الزميل نعيم كمال، فهذه خطوة، في كل الأحوال، تعيد الاعتبار إلى المغرب وسلطته القضائية أولا، وإلى الجسم الصحافي ثانيا. ولا يسعني، والحالة هذه، إلا أن أردد ما قاله خطيب بركان، عبد الحميد نجاري، الذي أوقفه أحمد التوفيق أخيرا: «لو أن كل القرارات المتعلقة بملفات مهمة اتخذت بالسرعة نفسها التي اتخذ بها قرار توقيفي، لارتقى المغرب إلى مصاف الدول المتقدمة».

لكن، وحتى إذا اتفقنا مع الزميلين نرجس الرغاي ونعيم كمال، وأيضا الزميل السابق محمد أوجار، على أن محكمة الاستئناف بباريس لم تحترم اتفاقية التعاون القضائي بين المغرب وفرنسا عندما استدعت الصحافيين المغربيين، بشكل مباشر، وليس عن طريق السلك الدبلوماسي عبر وزارة العدل، فإنني أعتقد أن أوجار والرغاي وكمال مطمئنون، مثلي أنا، إلى أن المسؤول القضائي الفرنسي الذي وقع الاستدعاء لم يتلق أي هاتف من أي سلطة سياسية تريد أن تصفي حسابات ما مع المغرب، وبالتالي، فإن ما حدث، في أسوأ الأحوال، لا يعدو كونه سوء تقدير من المحكمة الفرنسية. القضاء الفرنسي لا يستمع إلا إلى ضميره، ولا يحترم غير القانون، ولا يقدس سوى العدالة، وعندما يخطئ فإنه يمتلك ما يكفي من آليات ومساطر تجبره على تدارك خطئه وترتيب المسؤوليات عليه.

قد يقول قائل إن القضاء الفرنسي له سوابق مريرة مع المغرب، خصوصا في ما يتعلق بمساطر الإنابة القضائية، وأشهرها ما حدث مع القاضي باتريك رماييل، الذي كان قد أصدر مذكرة توقيف دولية في حق خمسة مغاربة في أكتوبر 2007، بينهم الجنرالان حسني بنسليمان، والراحل عبد الحق القادري، الرئيس السابق لـ«لادجيد»، لاستفسارهم حول مسؤولياتهم المفترضة في ملف اختطاف واغتيال المهدي بنبركة، حيث تلقى القاضي الفرنسي جوابا من وزارة العدل المغربية، وكان على رأسها، حينئذ، الاتحادي الراحل محمد بوزوبع، الذي قال له إن مصالح وزارته تجهل عنوان إقامة حسني بنسليمان وعبد الحق القادري… ثمة أيضا قضية حديثة، رفعها المؤرخ المعطي منجب ضد ثلاثة صحافيين من موقع مغربي أمام الغرفة 17 المكلفة بالإعلام بالمحكمة الكبرى بباريس، اتهمهم فيها بالسب والقذف والتشهير به في مقالات نشرت على امتداد ثلاث سنوات، وهي الدعوى التي قبلتها المحكمة الفرنسية لأن الموقع المغربي يتوفر على مُعرِّفِه الرقمي (IP) بفرنسا. عندما أرسلت محكمة باريس الكبرى قاضية إلى المغرب للاستماع إلى الصحافيين المعنيين، تلقت الجواب الجاهز نفسه الذي تلقاه زميلها باتريك راماييل، في ملف بنبركة: لا نعرف عناوين الصحافيين الثلاثة. وعندما حاولت للمرة الثانية، قال لها نظيرها المغربي: لا شك أن أسماء الصحافيين الثلاثة مستعارة. هكذا انتهى الموضوع، مع أن القاضية الفرنسية والمسؤول القضائي المغربي، ومئات الصحافيين والسياسيين في المغرب وفرنسا، يعرفون أن المعنيين الثلاثة يتوفرون على بطائق الصحافة صادرة عن وزارة الاتصال بالأسماء نفسها التي يحملونها في وثائقهم الثبوتية، والتي يوقعون بها مقالاتهم. وها هو منجب يحمل قضيته من باريس نحو لوكسمبورغ، ليضعها بين أيدي قضاة محكمة العدل الأوروبية، لتنضاف خدشا جديدا إلى الأخاديد والندب العميقة المحفورة على جبين العدالة المغربية.

لكن، رغم هاتين السابقتين المريرتين للقضاء الفرنسي مع المغرب، فإن لا شيء يبرر ما قامت به محكمة الاستئناف بباريس مع الصحافيين نرجس الرغاي ونعيم كمال، وقبلهما مع القضاء المغربي الذي حاولت تجاوزه، كما أنه لا شيء يبرر أيضا ما اقترفه ويقترفه هذان الصحافيان وأمثالهما من صحافة المدح والهجاء. وقبل هذا وذاك، لا شيء يبرر ما قام به مصطفى أديب من استفزاز للجنرال الراحل عبد العزيز بناني وعائلته وهو على فراش المرض بالمستشفى، فحتى الأسرى لا يُستنطقون في حالة المرض. 6

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي