عاشوراء السياسة في بلادي!

24 سبتمبر 2018 - 14:08

ليست عاشوراء طقسا دينيا أو هوية مذهبية فقط؛ يختلف التعاطي معها من مذهب إلى آخر، بل يمكن استخلاص تعبيراتها المختلفة والممزوجة بما استجد في عهد المفرقعات والألعاب النارية، وإسقاط كل ذلك على الحياة السياسية ببلادنا، ليست الغاية هي السخرية فقط، من واقع لا نملك معه حيلة، ولا استحضارا لتاريخ تشيع بلادنا في فترة من فترات الماضي البعيد على عهد مولاي سليمان، ولكن الغاية هي تجريب قوالب جديدة لتشخيص ما تعرفه بلادنا بكثير من روح الدعابة. لقد توالت في السنوات الأخيرة تقارير لمؤسسات الحكامة وخطب رسمية تُعدد خيبات البلاد وفشلها من قطاع إلى آخر، وهي تفعل ذلك دون فعل إصلاحي حقيقي، تصبح كمشهد عزاء في المذهب الشيعي تردد فيه “لطيمات حسينية” تعدد فيه المصائب والأحزان، مع ما يواكبها من لطم باليد على الوجه أو على الصدر أو أكثر من ذلك، استعمال السلاسل الحادة للطم على الظهر والصدر معا، وما ينتج عن ذلك من دماء وتعذيب للذات، لكن ذلك في واقعنا لا يغير شيئا، إذ إن آخر تقرير للتنمية البشرية في العالم الخاص بسنة 2018، وضع المغرب في الرتبة 123، وهو بذلك يتذيل دول البحر الأبيض المتوسط جميعها باستثناء سوريا، هذا الاستثناء لوحده يعد فضيحة كبرى، إذ تتجاوزنا ليبيا التي خرجت دولة عقيدها من الجغرافية ودخلت إلى التاريخ، حيث لم يعد هناك وجود أصلا لشيء اسمه دولة في ليبيا، وتتقدم علينا كل من مصر وتونس، وهي دول تعيش رجات “الربيع العربي” وأزمة اقتصادية خانقة بفعل عدم الاستقرار والشك في المستقبل، وتتفوق علينا جارتنا الشرقية الجزائر التي تحكمها مؤسسة عسكرية بمنطق الحرب الباردة تضع رئيسا مقعدا في واجهة النظام، وتبتعد عنا لبنان، وهي بلد صغير يوجد في مرمى الصراعات الإقليمية والدولية وضغط هجرة أزيد من مليون لاجئ سوري، في بلد لا يتجاوز عدد سكانه أصلا أربعة ملايين نسمة، مضاف إلى ذلك كله نظام المحاصصة الطائفية الذي يرهن الدولة وقرارها لزعماء الطوائف وولاءاتهم الخارجية، بل حتى قطاع غزة والضفة الغربية، الموجودتان تحت الاحتلال الصهيوني العنصري تتفوقان علينا، هل لكل هذا الواقع المأساوي من تفسير؟ ألا يحتاج هذا الواقع “حسينيات” بحجم الوطن؟

عاشوراء، أيضا، في السياق الشعبي المغربي هي حرب المفرقعات والشهب الاصطناعية، وهذا يتطابق تماما مع ما نشهده من حروب صغيرة وقضايا هامشية، من الحرب المصطنعة حول كلمات من الدارجة في المقرر الدراسي، إلى التباكي على الهوية وشرب لبن السِّباع عند الحديث عنها، بينما يتحول نفس السباع إلى قطط وديعة في القضايا الجوهرية والمصيرية، والتي تمس جوهر الإشكالية المرتبطة بالسلطة والديمقراطية والموارد الاقتصادية للبلاد، ففي بلادي المفرقعات لا تمارس إغراءها فقط على الأطفال الصغار، فالكبار، أيضا، لا يستطيعون مقاومة ذلك الإغراء.

عاشوراء، كذلك، في التمثل الشعبي هي فرصة لأعمال السحر والشعوذة بهدف جلب محبوب أو قضاء مصلحة، فالبلاد كاملة بحاجة إلى “عمل” خارق لطرد النحس الذي يلازمها منذ عقود، ولعل ذلك ما يجعل كثيرا من المغاربة يتندرون بسخرية قاسية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهم يطالبون بـ “مجمر” كبير يستطيع أن يشمل البلد كله “ببركاته” المفترضة، إذ لم يعد للمنطق والعلم والقانون قدرة على فك طلاسم ما نعيشه من ترد على جميع الأصعدة… من السياسة إلى الاقتصاد، إلى الثقافة، إذ إن كل مستويات الحياة العامة توجد في حالة شلل نصفي تنذر بأوخم العواقب، ولعل التقارير الدولية خير دليل على حقيقة انفجار فقاعة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي كان يعتقد بعض المنظرين، أنه يمكن تحقيقها مع تعطيل عملية الإصلاح السياسي، الذي كان أبرز مظاهرها ما جرى بعد انتخابات أكتوبر 2016، وهو ما نعيش تبعاته ونتائجه إلى اليوم.

هذه عاشوراء السياسة في بلادي، فبأي حال ستعود السنة المقبلة؟

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي