النزل الإسباني..

30 سبتمبر 2018 - 13:41

 

لقد أحسن حسن أوريد صنيعا عندما قال في حوار أجرته معه « أخبار اليوم »، مؤخرا، إن قضايا من قبيل الوضع داخل الحركة الشعبية، أصبحت خارج اهتمامه، لاعتبارات منها انعدام وجود وحدة لقياس مثل هذه الأجسام السياسية سريعة التحول والتأقلم. يُنسب إلى جان جاك روسو- من غير تأكيد- أنه قال: « فيما مضى كانت لدي خمس نظريات في التربية ولا ابن، والآن لدي خمسة أبناء ولا نظرية تنفع في تربيتهم ». أوريد، ولتوصيف الوضع في المغرب، وضمنه الحزبي، استعان بتصوير مجازي للاقتصادي الأمريكي غوسيب استيغليز، يقول فيه: « حينما تقع حادثة سير لشخص بسيارة في مكان معين، فالاحتمال الأول هو أنه لا يحسن السياقة وهو مسؤول عن الحادثة، وإذا وقعت الحادثة مرة ثانية بالسيارة ذاتها في المكان ذاته، فقد يكون المشكل عطبا في السيارة، ولكن إذا تكرر المشكل مرة ثالثة في المكان نفسه، فقد يكون سبب الحادث هو وضعية الطريق »، وعلق أوريد: المسألة بنيوية، لذلك لم تعد تهمني لا السيارة ولا طريقة سياقتها. الذي يهمني هو الطريق. عندما سألته مُحاورته: ما الذي تقصده بالطريق؟ ضحك وقال هذا موضوع ليس وقته الآن؟ أعول على نباهة القارئ ليحدس أي طريق تلك التي تجنب أوريد المرور منها- الآن- حتى لا يصطدم من جديد بمهندسيها الذين خبرهم طويلا واصطدم بهم مرارا، واكتفى بالقول إنها طريق تعرف اختلالات بنيوية.

لقد اختلت كل وحدات القياس، على حد تعبير أوريد، الذي كان قد وصف الحركة الشعبية بالنزل الإسباني، تزامنا مع إنزال محمد حصاد، بقرار فوقي، في قيادة الحزب، قبل أن يحدث الذي حدث في منتصف الطريق وتصطدم سيارة حصاد بجسم لازال مجهولا (أشبه بالجسم الذي ارتطمت به سيارة بوسعيد مؤخرا)، فأُعفي من وزارة التعليم، وكان واضحا أن ذلك سيعصف بمستقبله على رأس النزل الحركي. هكذا، فالعنصر وعناصره التي كانت تتمرن على محفوظة: « السي حصاد قيمة مضافة للحركة الشعبية، وكان دائما يقاسم الحزب أفكاره ومبادئه، ونحن من صبغه بألواننا واقترحه ليكون وزيرا باسم حزبنا.. ونحن من أحرجه وألح عليه ليكون أمينا عاما علينا ».. ها هي نفس « العناصر » خرجت الآن تردد محفوظة: « السي العنصر هو الشخص القادر في هذه المرحلة الدقيقة على قيادة الحزب وتجنيب انقسامه إلى تيارات. ونحن من ألح عليه ليقدم ترشيحه. والملك عندما طالب بتشبيب الأحزاب، أعفى من ذلك الأمناء العامين »، وما إلى ذلك من عبارات احتقار وتجاهل للمغاربة لا يتقنها إلا كبار المحترفين السياسيين الذين يقولون إن الناس سينتقدوننا، سواء أخرجنا أحرضان من قيادة الحزب أو أدخلنا إليها أخنوش أو حصاد أو أبقينا على العنصر مدى الحياة. وهذا بالضبط، هو ما قصده حسن أوريد عندما شبه الحزب بـ »l’auberge espagnole »، ذلك النزل الذي يأوي كل العابرين والهاربين والمنبوذين، بكل طبائعهم وودائعهم وروائحهم، في قاعة واحدة. فما يهم صاحب النزل من موظف الاستقبال هو ألا يستولي عليه النزلاء العابرون ويحولوه إلى شيء آخر، أما « الروسيطة » فمثل النتائج الانتخابية والمواقع الحكومية، لا يحاسب عليها موظف الاستقبال أو الأمين العام، لأنه ليس هو من يحددها ويتحكم في خريطتها. فأي وحدة قياس يمكن أن تضبط اتجاه الريح داخل حزب بهذا الشكل؟

ختاما، هناك سؤال يطرحه الكثيرون: لماذا تحرص الجهات العليا (التعبير هنا لنجل العنصر) على التحكم في كل كبيرة وصغيرة داخل الحركة الشعبية، بالرغم من أن هذه الجهات تتوفر لكل مرحلة على حزب إداري يقودها؟ ونحن نتلمس الإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نستحضر أن الجهات العليا لم تقتنع يوما، ومنذ تأسيس الحزب في 1959، بأنه خلق ليكون في الواجهة، فالحركة لم يسبق لها أن قادت حكومة ولا معارضة، بل سارت دائما في ركب الحزب المرشح للقيادة، تدعمه وتكون عينا عليه. ولعل أبلغ مثال على أن الحزب لم يؤخذ له رأي في تشكل الحكومات التي وجد نفسه فيها، هو ما حكاه القيادي الاتحادي محمد الحبابي، عن أنه بعد أحداث 23 مارس 1965 الدموية، اقترح الحسن على الاتحاد الوطني للقوات الشعبية قيادة حكومة وحدة وطنية، فقام الملك باستدعاء أحرضان، الذي حضر إلى القصر متوقعا مفاتحته في أمر الحكومة، لكن الحسن الثاني الذي كان قد غير رأيه في آخر لحظة، اكتفى بأن سأله: « آش خبار يمَّاك ». ويوم قرر أحرضان، في 1986، أن يكون له صوته الخاص ولا يبقى مجرد صدى لأصوات الجهات العليا، أُبعد عن الحزب، كما يحدث لأي أجير مزعج لا يتوفر على عقد عمل، ثم جِيء بموظف البريد الوديع. وباقي الحكاية يعرفها الجميع..

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي