ِرجل الحكومة التي كسرت

04 أكتوبر 2018 - 14:07

في فبراير الفائت، كتب الصحافي توفيق بوعشرين قائلا: «إن رِجل الحكومة (هي) التي كُسرت وليست رجل الوزير». كان يقصد آنذاك وزير الشغل، محمد يتيم، عندما أُصيب بكسر في رجله، وظهر في صور التقطت له وهو يتكئ على عكاز طبي، ويهم بولوج مقر اجتماع لاحتواء أزمة جرادة التي اندلعت عقب وفاة عاملين في مناجمها العشوائية.

كانت القصة المثيرة للاهتمام حينها أن وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار قاطعوا ذلك الاجتماع الحاسم، تاركين وزراء حزب العدالة والتنمية ورئيسهم، سعد الدين العثماني، يحاولون إخماد غضب الناس، بينما عزيز أخنوش ورفاقه فضلوا الابتهاج في حفل حزبي عقد بعيدا جنوب البلاد.

هذا الأسبوع، ويا للمصادفة، كُسرت رجل العثماني، وظهر – شفاه الله-  في صور وهو يحاول ولوج مقر اجتماع للباطرونا- التجمع الأشد حساسية إزاء الإسلاميين، والأكثر قربا لخصومه «الأحرار»- . وليس هذا فحسب، بل إن رجل العثماني كسرت في أوج الأزمة السياسية بينه وبين التجمع الوطني للأحرار. التاريخ يعيد نفسه مرة جديدة دون أن يثير أي رغبة في الضحك. لقد بات المشهد مأساويا أكثر مما يحتمل. ويتيم نفسه الذي كسرت رجله قبل ثماني شهور وتحول إلى مثال مجازي لما تعانيه حكومة الإسلاميين، عاد هو أيضا في التطور غير المناسب لأحداث التاريخ، ليمنح تآكل شعبية حزبه زخما جديدا بظهوره في صور جديدة وغير ملائمة، في باريس، مع سيدة عملت مدلكة لقدمه التي كُسرت في الماضي. ترك يتيم زوجته التي صبرت معه 40 عاما، ليكون إلى جانب فتاة «تنضب بالحياة».

يبدو حال الحكومة مشابها لحال يتيم نفسه. رجل ترك عشرة تمتد لعقود، مفضلا فتاة أصغر وأكثر ينوعا، مثله مثل الآخرين الذين ينفضون من حول أكتافهم ما تبقى من غبار عقيدة سياسية بنيت على مهل طيلة 40 عاما، مفضلين مناصب صُممت كراسيها على مقاسات أضيق ما تحتمله أبدانهم، لكنهم يستطيعون تحملها.

لكن كما يحدث في مثل هذه الحالات، فإن الملابس التي تكون أضيق بشكل كبير من مقاسات أصحابها، سرعان ما تتمزق من الجوانب. العثماني برجل مكسور هو التجسيد الحي لحكومته المريضة. ليست هناك مشكلة كبيرة لدى العثماني سوى التجمع الوطني للأحرار، الذي يبدو أن حملات المقاطعة لشركات رئيسه لم تنجح في إضعافه كثيرا، وما كان يعتقد بأنه حلم مؤجل لدى أخنوش، أصبح كابوسا في الوقت الحالي للإسلاميين. الرجل كان واضحا عندما أعلن دون مواربة أن 2021 «لا تبدو بعيدة كثيرا»، ويساعده في هذا الكم الهائل من التخاذل البين في صفوف الإسلاميين الذين يظهرون وكأنهم قد هزموا أكثر ما يبدو أن لديهم قائمة بالانتصارات.

رجل الحكومة التي كسرها بعدما جُبرت مرارا، وزير الشباب الرياضة، رشيد الطالبي وهو يتهم علانية وصراحة، حزب العدالة والتنمية بالسعي إلى تخريب البلاد والتآمر، وأخنوش الذي دافع بأسلوب الهجوم، عن وزيره ضد اعتراضات قيادة «البيجيدي». كسور كثيرة لم تعالج بالطريقة الملائمة، والساق حطمتها الضربات المتتالية في المكان نفسه. وبالطبع، ليس هناك شخص حصيف يمكنه أن يمنح هذه الحكومة وقتا أكثر مما قطعته حتى الآن. والساق تعبت من ضمادات الجبر. العثماني ومنذ عامه الأول وهو يعرج، لكنه كطبيب نفسي معتاد على وصف المهدئات لمرضاه، يميل أكثر إلى معالجة الكسور بأدوية التخدير، وإن كانت الساق تحتاج إلى جراحة، وليس إلى حديث طبيب مع مريض مستلق على كنبة.

العثماني لا يستطيع أن يبتر الساق وقد باتت ملوثة بما لا يقبل المجادلة، وربما سيترك العدوى تسبح في الجسد كله قبل أن ينهار تماما. هذه وصفة انتحارية لطبيب شغله أن يبعد مرضاه عن مثل هذه الأفكار، لكن الحقيقة هي أن العثماني لم يعد يكتب أي وصفة للمرضى، فقد ترك ذلك لمن كان يفترض أن يكونوا مساعديه فحسب.

هذه حكومة مُنتهية، وما يحدث في الوقت الحالي، بالنسبة إلى الإسلاميين، يشبه حال فريق كرة قدم خاسر بأهداف كثيرة مقابل صفر، ويحاول أن يسجل في الوقت الضائع هدف شرف. لكن لا يبدو أن الحكم ولا التوقيت سيسمحان له بأن يفعل ذلك. العثماني في مكتبه، مثل موظف بدون وظيفة حقيقية، وضعه رب العمل في «الكاراج» بتعبيرات الداخلية، حتى يتوصل بإشعار نهاية الخدمة، وحتى حدوث ذلك، على العثماني أن يستمر في الابتسام لآلات التصوير، وبذل جهد إضافي لتقديم تصريحات خيالية لا يصدق مضامينها لا هو، ولا أي أحد آخر.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي