حدود الحياة الخاصة والحياة العامة.. بين التشهير والحق في الانتقاد

05 أكتوبر 2018 - 09:22

أثار الجدل الدائر حول قصة محمد يتيم، وزير التشغيل والإدماج المهني، مع خطيبته الجديدة، نقاشا قديما بالمغرب، وهو حدود الحياة الخاصة للمسؤول العمومي. هذه الحدود غير واضحة، عكس ما هو عليه الحال في أغلب الدول الديمقراطية.

ففي فرنسا بداية سنة 2014، سيعيش الرئيس آنذاك، فرنسوا هولاند، أسوأ أيامه داخل قصر الإليزيه، والسبب هو أن مجلة تهتم بمواضيع « البيبل » فجرت مفاجأة من العيار الثقيل: رئيس فرنسا يغادر مكتبه متخفيا ويركب دراجة نارية، ليزور عشيقته جولي غايي، التي يعيش معها علاقة حب بعيدا عن أنظار زوجته، فاليري تريرفيلر، سيدة فرنسا الأولى. جرّت هذه القصة انتقادات كبيرة على هولاند، وذهب مسؤولون بارزون إلى أنها ستؤثر لا محالة على سمعة قصر الرئاسة الفرنسي. والأهم من ذلك هو أن الحياة الخاصة لأول مسؤول سياسي في بلاد الأنوار ليست محصنة، ويمكن للصحافة، والرأي العام الخوض فيها بكل حرية.

في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول التي أقرت قوانين واضحة، وأعرافا مجتمعية، تجعل الحرية الفردية واحدة من أهم القيم التي يدافع عنها الجميع، لا تجرم، بالرغم من ذلك، الخوض في الحياة الخاصة للمسؤول العمومي إذا ما قام بسلوك ينتفي مع القيم المشتركة، أو يتناقض مع مرجعيته الفكرية والسياسية.

وفي المغرب، احتلت الكثير من القصص المشابهة الصفحات الأولى للجرائد وتم تداولها على نطاق واسع، كقضية نادية ياسين، كريمة الشيخ ياسين، الزعيم التاريخي لجماعة « العدل والإحسان »، عندما تم تصويرها إلى جانب شخص آخر غير زوجها باليونان، الشيء الذي ظلت تتشبث بأنه عمل مخابراتي مفبرك، فضلا عن قضية القياديين بحركة « التوحيد والإصلاح »، عمر بنحماد وفاطمة النجار، اللذين اعتقلهما رجال الأمن داخل سيارة في أحد الشواطئ القريبة من مدينة المحمدية.

وفي الغالب تكون هذه القصص مرتبطة بأشخاص في الحركة الإسلامية، لكن أحمد عصيد، الناشط الحقوقي الحداثي، شكل الاستثناء تقريبا، عندما طفت على السطح علاقة جمعته مع ناشطة أمازيغية اسمها مليكة مزان وخلقت انقساما بين من يرى الأمر يدخل ضمن حريته الفردية، ولا يتعارض مع قيمه الحداثية، وبين من يراه تناقضا صارخا بين الخطاب والممارسة. فهل نناقش في المغرب بالفعل الحياة الخاصة بمبدأ قيمي؟ أم إن الأمر برمته عبارة عن صراعات سياسية ضيقة؟

« على الشخصيات العمومية أن تحتاط من سلوكيات مرتبطة بحياتها الخاصة، لأنها، في الدول الغربية، تؤدي إلى الإقالة »، يقول بوبكر لاركو، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، موضحا أن المسؤول « يجب أن يحتاط مادام أنه مستمر في منصب المسؤولية، وعندما يغادرها يمكن أن يعيش حياته كما يشاء ».

فمن وجهة نظر لاركو، التي عبر عنها في حديث مع « أخبار اليوم »، تبقى الانتقادات الموجهة للمسؤول العمومي مشروعة، مادام أنها تمت في فضاءات عمومية، لافتا الانتباه، في المقابل، إلى أن ذلك لا يعني التعرض للحياة الخاصة لأبنائه أو زوجته طالما أنهم بعيدون عن منصب المسؤولية الذي يتقلده هو.

لكن خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ترى أن الأمر فيه مستويان. « أعتقد أن هناك فرقا بين تتبع الحياة الخاصة للمسؤولين، وهي مرتبطة بهم، وليست شأنا للنقاش، وبين التعرض لهذه الأخيرة من منطلق أنها تعكس نوعا من النفاق الاجتماعي وسكيزوفرينيا في الخطاب لدى هؤلاء المسؤولين أو الهيئات التي يمثلونها »، تقول الرياضي.

وتبرز في حديثها مع « أخبار اليوم » أن هذا هو « ما حدث بالنسبة إلى قضية يتيم المثارة أخيرا، أو قضية فاطمة النجار وعمر بنحماد التي تفجرت قبل سنوات قليلة، بحيث لا يتم تسليط الضوء على ما يقومون به بمنطلق أخلاقي مرفوض (حشومة أو عيب)، بل يتم إبراز أن خطابهم فيه نوع من التناقض، وهو يدخل ضمن صراع سياسي مسموح به لضرب مصداقية خطابهم هذا ».

وخارج ذلك، تبقى الحياة الخاصة مقدسة، حسب الرياضي، شريطة ألا تكون متعارضة مع القانون أو حقوق الإنسان، « كأن يكون الشخص على علاقة بمراهقة قاصر، أو لديه طفلة خادمة في المنزل ».

وفي المقابل، هناك من يرى بأننا لم نصل بعد إلى الوعي الكافي لنناقش الحياة الخاصة للمسؤولين، بل هذه النقاشات لا تكون إلا عبارة عن ردود فعل حول قضايا تثيرها السلطة لضرب مصداقية معارضيها.

محمد سلمي، منسق الهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان، يميل أكثر إلى هذا الرأي، إذ يرى أن ما يقع ببساطة هو أن « أشخاصا يستهدفون في حياتهم الخاصة، بخصوص سلوكيات موجودة داخل المجتمع ومتصالح معها، لكن عندما يتعلق الأمر بشخص مستهدف نظرا إلى توجهه الفكري أو السياسي، تصبح الأمور تتجاوز الحدود ».

ويضيف، في تصريح لـ »أخبار اليوم »، أن الطريقة التي يتم بها نشر هذه الأخبار المرتبطة بالحياة الخاصة لهؤلاء المسؤولين، أو حتى معالجتها في الكثير من الأحيان، تكون في الغالب ماسة بكرامة الشخص، مشددا على أن الكرامة يجب أن تصان لأي إنسان، بصرف النظر عن توجهه الفكري أو السياسي، أو موقعه الاجتماعي. ».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

بن اعمر منذ 5 سنوات

المشكل في قضية يتيم أن السيد ارتكب جرما ظل طول حياته يحرمه وينهى عنه ، أقصد اقامة علاقة خارج اطار الزواج ، والا مامعنى أن تسافر مع فتاة بدون محرم وتقضي معها مدة في فرنسا وأنت مازوج ولم تطلق بعد ولم تخطب بعد ...لو قام بذلك انسان حداثي يساري يؤمن بالعلاقات الرضائية والحرية ولا يتخذ الدين سلاحا ضد الاخرين لما أثار كل هذا الضجيج ...القضية وما فيها أن ( حاميها حراميها )

التالي