المغرب الأقسى

10 أكتوبر 2018 - 13:41

 

بعيدا عن أي خطاب شعبوي مدغدغ. ولنترك جانبا معاناة التنسيقية الوطنية للمكفوفين، وفجيعة الموت التراجيدي للشاب صابر الحلوي وترتيب المسؤوليات فيه. إن مشهد شباب مكفوفين يعلقون شواهدهم جنب صناديق خشبية وهم يذرعون أهم شوارع الرباط جيئة وذهابا، يستدرون عطف ودريهمات المارة.. هو وصمة عار على جبين وضمير هذا الوطن. فهل هناك أقسى وأمر على عائلة في مدينة أو قرية نائية، من أن تودع فلذة كبدها وهي تتأبط شهادتها الجامعية وعكازها مع قليل من المال وكثير من الآمال، وتغادر فقر العائلة ودفأها للبحث عن عمل في إدارات العاصمة، ثم يأتي من يخبر الأسرة بأن ابنها أو ابنتها يمتهنان التسول المقنَّع في شوارع تلك العاصمة؟

إن الموت التراجيدي للشاب الكفيف، وقبل أن يجرنا لمساءلة سياسة التشغيل والإدماج في هذا البلد البعيد عن السعادة، يصفعنا لكي ننتبه إلى أننا طبَّعنا كثيرا مع مشهد يتكرر أمامنا يوميا لشباب ضعاف البصر والحيلة، يشيخون في الممر الرابط بين مبنى البرلمان ومقهى لاكوميدي، وهم يعرضون على المارين علب كلينيكس مع ابتسامة تختزن الأسى والخجل والإحباط والحب والكره والحلم والواقع الذي لا يرتفع عليه سوى سطح عمارة الوزارة التي سقط منها صابر الحلوي، فيما نحن نمر أمامهم مثلما نمر أمام مقهى باليما وساعة البريد وعمارة السعادة… لذلك فما ستقوله لنا بسيمة الحقاوي وغيرها عن اقتحام صابر ورفاقه مبنى الوزارة وسقوطه من سطحها، لا قيمة له، طالما أن قيمة الكرامة اندحرت إلى أسفل سلم اهتماماتنا وانفعالاتنا.

لقد جعلت الجماهير، التي خرجت في 20 فبراير 2011، من الكرامة مطلبها الأول، حين كانت أصواتها تهدر: «كرامة، حرية، عدالة اجتماعية». لكن تلك الجماهير نفسها هي التي ترى شوارع المملكة وقد تحولت إلى معرض كبير للعاهات. لا أتحدث هنا عن المكفوفين وغيرهم ممن يناضلون لنيل حقهم القانوني في الشغل، أو حتى عن أولئك الذين يئسوا من العثور عليه، وأبدعوا تسولا مقنّعا، بل عن الذين يعرضون أطرافهم المشوهة ويفترشون الأرض مع أمصال طبية وعلب أدوية، وأولئك النساء اللواتي يكترين أطفالا ورضعا لاستدرار عطف المارة… إن دولة لا تتعاطى برأفة اجتماعية وحزم قانوني مع مثل هذه الظواهر الحاطة بالكرامة، هي دولة لا تحترم مواطنيها، سواء أولئك الذين يبيعون أنينهم وعاهاتهم الحقيقية أو المصطنعة، أو الذين يشترون منهم بضاعتهم ويرمونهم ببقشيش تافه بنيَّة مرضاة الله أو بنية التضامن والتكافل. أما الدولة التي تحصي أنفاس معارضيها وصحافييها، وعندما يسقط معطل كفيف من سطح وزارة، تخرج وتقول: « لقد كسروا الأبواب ليلا ودخلوا مبنى الوزارة في غفلة منا، وصعدوا إلى سطحه وماتوا دون أن ننتبه إليهم »، فلا تعليق لي عليها.

إن كلاما كالذي قالته الوزيرة بعظمة لسانها عن أن عدم تفعيل حصة 7 في المائة التي أعطاها القانون للمعاقين في الوظيفة العمومية، كان بسبب «تعثر تطبيق المرسوم، نظرا إلى الظرفية السياسية التي عشناها خلال السنة والنصف الأخيرة، والمتعلقة بتشكيل الحكومة»، هو كلام يمكنه أن يوصل كل المغاربة إلى حافة اليأس، وليس فقط معطلا كفيفا إلى سطح الوزارة. فما حاجة المغاربة إلى أحزابكم وحكوماتكم وبرلمانكم إذا كانت خلافاتكم ستعطل عمل المؤسسات، وتحول دون إنفاذ القانون، وتهمل مصالح وحقوق المواطنين، وتتسبب في احتجاجات تؤدي إلى السجن أو الموت؟ ما حاجة المغاربة حتى إلى مرجعيتكم الإسلامية إذا كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول: «لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها: لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر»، فيما عشرات «البغلات» يعثرن يوميا بين أرجل رجال الأمن والجمارك بمعبري طاراخل وبني نصار، ومئات الشباب يغرقون في المتوسط، أو يُقبرون في مناجم جرادة وسجون الحسيمة والبيضاء… فيما وزراؤكم يتأملون ويحوقلون ويستطيبون المقاعد.

سيدتي الوزيرة، وأنت المسؤولة عن قطاع التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، هل تعرفين أن المغرب كان يعد من أكبر الدول الدامجة للمعاقين، ويكفي المغاربة فخرا أنهم كانوا يطلقون على الكفيف اسم «البصير»؟ وأنه في عهدكم، الذي انبثق مع آمال الربيع العربي، أصبحوا كلهم مصابين بعمى الثقة، لأن حاضرهم مظلم ومستقبلهم مدلهم. وها هو المغرب الأقصى قد أصبح مغربا أقسى. 6

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي