الساعة القانونية أُحدثت عام 1913 من أجل الفرنسيين.. قصة قرن من الزمــن الفرنســي بالمغرب

29 أكتوبر 2018 - 08:02

بصدور مرسوم “الغفلة” الذي اعتمدته حكومة العثماني على حين غرة في الجريدة الرسمية، يكون قوس الساعة القانونية للمملكة قد أغلق بعد عقد كامل من فتحه، حيث يعود أول مرسوم لتغيير الساعة القانونية، والذي ظل يتكرر حتى الآن، إلى العام 2008. حينها وضع الوزير الأول الاستقلالي عباس الفاسي، توقيعه على مرسوم يقضي بإضافة ستين دقيقة إلى التوقيت الرسمي للمملكة، توقيت غرينيتش، ابتداء من متم شهر ماي، مع حذف هذه الساعة الإضافية متم شهر شتنبر. لكن كلا من مرسومي العثماني وعباس الفاسي لا يحكيان القصة الكاملة للساعة القانونية للمملكة في علاقتها بالتوقيت الصيفي. تعقّب آثار هذا التعديل المؤقت في الساعة القانونية للمغرب، يعيدنا إلى أكثر من قرن من الزمن.

طيلة هذه المائة عام ويزيد، عاش المغرب فترات عمد فيها إلى اعتماد التوقيت الصيفي لفترة محدودة. هذه الفترات ارتبطت جميعها بمراحل أزمات اقتصادية واجتماعية عاشها المغرب، فنجد أن ظهائر ومراسيم تعديل الساعة القانونية للمغرب، وجدت مبررها تارة في الجفاف، وأخرى في ضرورة الاقتصاد في استهلاك “النور”، أي الكهرباء، فيما ارتبطت أحيانا بظروف اسثنائية عاشها المغرب متم السبعينيات حين استعرّت نار الحرب في الصحراء، أو أواسط الثمانينيات حين فرض على المغاربة برنامج التقويم الهيكلي.

فرنسا في المبتدأ والختام

خاصية أخرى ميّزت قرارات المغرب المرتبطة بالساعة القانونية، هي الحضور المباشر أو غير المباشر لفرنسا، الدولة التي استعمرت القسم الأكبر من المغرب في النصف الأول من القرن العشرين. وإذا كان بعض الذين يدعون حمل الهم الاقتصادي لا يتورعون في الدفع بوجود مصلحة مغربية في تقريب الساعة القانونية من تلك المعتمدة في فرنسا، بدعوى ارتباط المصالح الاقتصادية وحاجة أصحاب المال والاعمال إلى افتتاح بورصة الدار البيضاء وبنوكها وشركاتها تزامنا مع استيقاظ الفرنسيين من نومهم، كما لو أن الارتهان إلى فرنسا وحي أُوحي إلى المغاربة، أو حتمية أثبتها الحجة العلمية؛ فإن أول نص قانوني أحدث الساعة القانونية في المغرب، وقّعه السلطان المغربي موضحا فيه أنه جاء من أجل خدمة الفرنسيين وقضاتهم الذين التحقوا بالرباط بناء على معاهدة الحماية. فالمغرب قبل ذلك لم يكن يعرف شيئا اسمه الساعة القانونية.

“أخبار اليوم” اختارت أن تعيد حكي قصة هذه الساعة القانونية للمملكة من هذه الزاوية الفرنسية، ليس لأنها الأهم مقارنة بزاوية ارتباط الإجراء بالأزمات الاقتصادية، لكن لأن مرسوم حكومة العثماني، أريد له أن يصدر ساعات قليلة بعد خروج كارلوس غصن، المدير العام لشركة “رونو” الفرنسية من قصر مراكش حيث استقبله الملك محمد السادس. المسؤول الفرنسي دخل على الملك مرفوقا بالملياردير ووزير الصناعة والتجارة مولاي حفيظ العلمي، والخطوة جاءت لتمكين “مسيو” كارلوس غصن من إطلاع الملك شخصيا، عن اعتزام فرع شركته، “صوماكا”، الرفع من حجم إنتاجها من السيارات داخل مصانعها المغربية.

26 أكتوبر 1913 – 26 أكتوبر 2018

من غريب الصدف، أن المجلس الحكومي الاستثنائي الذي دعي إليه وزراء حكومة سعد العثماني للمصادقة على مرسوم اعتماد التوقيت الصيفي طيلة أشهر السنة، عوض إنهاء العمل به ابتداء من يوم أمس الاحد، جرى يوم 26 أكتوبر. هذا التاريخ، هو نفسه الذي يحمله الظهير الملكي الأول في تاريخ المغرب، والذي أحدث ما يعرف بالساعة القانونية بالمملكة. ففيما تحيل جميع المراسيم التي صدرت من السبعينيات وإلى غاية مرسوم العثماني ليوم الجمعة الماضي، على مرسوم ملكي صادر عام 1967، باعتباره المرجع القانوني الأول في تحديد وتعديل الساعة القانونية، فإن القرارات السابقة لهذا المرسوم الملكي، تحيل بدورها على ظهير ملكي مؤرخ في 26 أكتوبر 1913، باعتباره النص القانوني المحدث للساعة القانونية. رحلة البحث عن هذا الظهير الملكي في أرشيف الجريدة الرسمية للمملكة، تقودك إلى سلسلة أخرى من قرارات اعتماد التوقيت الصيفي، ظل المغرب يلجأ إليها منذ فترة الحماية، كلّما اشتدّت الضائقة الاقتصادية أو ضرب الجفاف المملكة، حيث كانت تلك القرارات تبرر بضرورة التوفير في نفقات استهلاك “النور”، أي الكهرباء، من أجل تخفيف أعباء الميزانية. وبعد قطع كامل المسافة الفاصلة بين الستينيات والعام 1913، لا تجد لهذ الظهير الملكي أثرا في أرشيف الجريدة الرسمية. السبيل لتجاوز هذا الـ”بلوكاج”، يتمثل في تغيير اللغة، والانتقال من النسخة العربية للموقع الرسمي للأمانة العامة للحكومة، إلى النسخة الفرنسية. هنا ستجد في مقابل “الجريدة الرسمية للدولة المغربية الشريفة المحمدية”، وهي النسخة العربية من الجريدة الرسمية التي أخذت تصدر بعد فرض الحماية الفرنسية على المغرب، إلى “الجريدة الرسمية للإيالة الشريفة، حماية الجمهورية الفرنسية على المغرب”. هنا فقط، ستعثر على الظهير الملكي المحدث للساعة القانونية بالمغرب.

هذا الظهير الذي أصدره السلطان المنصّب بعيد توقيع معاهدة الحماية، أي السلطان مولاي يوسف، يفتتحه هذا الأخير بتوجيه الخطاب إلى “خدامنا الأوفياء، العمال والقياد في إيالتنا الشريفة، وإلى كافة رعايانا”. هذا الخطاب الموجه إلى الهيكلة الترابية للمخزن المكلف بإدارة شؤون “الأهالي”، أي المغاربة، أتبعه السلطان مولاي يوسف بالقول إن مواد قانون المسطرة المدنية الذي صدر في صيف تلك السنة، حتّم اعتماد ساعة قانونية، وذلك بهدف تيسير الأعمال والوظائف التي يسهر على تنفيذها القضاة الفرنسيون فوق التراب المشمول بالحماية الفرنسية. وبناء على هذا التبرير، قرّر السلطان مولاي يوسف في ظهيره المنشور باللغة الفرنسية والمشمول بتوقيع المقيم العام الجنرال ليوطي، اعتماد توقيت غرينيتش، ليكون الساعة القانونية للمملكة.

توقيت صيفي لتخفيف الأزمات

بعد هذه الخطوة التي أخرجت إلى الوجود شيئا اسمه الساعة القانونية بالمغرب، سوف تعمد إدارة الحماية الفرنسية، بواسطة ظهائر شريفة، إلى تعطيل العمل بهذا التوقيت الرسمي بين الفينة والأخرى، وذلك تبعا للأوضاع الاقتصادية. تغيير من المؤكد أن “الأهالي”، أي المواطنين المغاربة، لم يكن يبلغ إلى علمهم أو يؤثر في حياتهم، بل كانت الخطوة تتم مراعاة لمصالح المستوطنين الفرنسيين ومصالحهم الاقتصادية، إلى جانب شركائهم المغاربة والأجانب.

من بين الحالات الأولى لاعتماد التوقيت الصيفي بالمغرب، نعثر في أرشيف الجريدة الرسمية مثلا عن آثار لهذا الأمر في العام 1918، أي في نهايات الحرب العالمية الأولى، مع ما تعنيه تلك الفترة من إنهاك للاقتصاد العالمي. الإجراء سُمي حينها باعتماد “ساعة مخصوصة لفصل الصيف، وذلك ابتداء من شهر ماي 1918”. وضع استثنائي استمر إلى غاية شهر يوليوز من السنة نفسها، حيث صدر ظهير شريف بإعادة العمل بالساعة القانونية، وقّعه الصدر الأعظم الشهير محمد المقري، وذيّل بعبارة “اطلع عليه وأذن بنشره الجنرال ليوطي”.

تمديد التوقيت الصيفي في “عام البون”

آثار مماثلة لإجراء اعتماد التوقيت الصيفي، سنجدها لاحقا في العام 1945، والمعروف في تاريخ المغرب بلقب “عام البون”، لكون جل المواد الغذائية أصبحت نادرة ويتم الحصول عليها بواسطة أوراق “البون” بسبب استنزاف فرنسا للمغرب بسبب دخولها الحرب العالمية الثانية. في هذا العام، نقف على حالة غريبة تكاد تطابق ما عاشه المغرب الأسبوع الماضي، حيث كان التوقيت الصيفي قد اعتمد بشكل مؤقت، وحدد ظهير اعتماده موعدا دقيقا لعودة العمل بالساعة القانونية الأصلية، ليصدر عشية حلول هذا الموعد، ظهير طارئ يوقف قرار العودة إلى الساعة القانونية الأصلية، ما يعني أن مغاربة 1945 عاشوا في الغالب على إيقاع التوقيت الصيفي طيلة العام.

ففي 22 شتنبر من ذلك العام، صدر ظهير شريف خاص بتعيين تاريخ إعادة إجراء العمل بالساعة القانونية. الظهير نص على أن هذا التاريخ يتمثل في ليلة 18 نونبر على الساعة الثالثة صباحا، ووقّع كل من محمد المقري و”القوميسير المقيم العام كابريال بيو”، على ذلك الظهير. وفي يوم 17 نونبر، أي اليوم الأخير من الفترة المحددة للعمل بالتوقيت الصيفي، عاد المقري إلى جانب الوزير المفوض المعتمد بالإقامة العامة، ليون مارشال، ليوقعا على ظهير جديد ينص على إلغاء ظهير عودة العمل بالساعة القانونية، دون أن تتضمن الوثيقة أي تبرير.

التوقيت الصيفي بسبب الجفاف

استعمال محرك البحث الخاص بأرشيف الجريدة الرسمية في الموقع الخاص بالأمانة العامة للحكومة، يكشف كيف أن اللجوء إلى التوقيت الصيفي تكرر في سنوات مثل 1946. لكن سنة 1950، شهدت تضمين الظهير الخاص باعتماد التوقيت الصيفي، تفسيرا خاصا، يربطه بحالة الجفاف التي عاشها المغرب حينها. “حيث أن كمية الأمطار التي نزلت في فصل الربيع كانت جد ضئيلة، وأدت إلى حالة حرجة فيما يخص إنتاج القوى الكهربائية المائية، تلك الحالة التي تبرر تقنين استهلاك النور الكهربائي”، يقول الظهير الذي وقّعه أحمد الحسناوي بالنيابة عن الصدر الأعظم، مضيفا أنه “وحيث أن تغيير الساعة القانونية بتقديمها على الساعة الشمسية بستين دقيقة سيؤدي إلى الخفض من استهلاك كمية القوى الكهربائية، أصدرنا أمرنا الشريف بما يأتي: إن الساعة القانونية المحددة لتراب منطقة الحماية الفرنسية من إيالتنا الشريفة… ستتقدم بستين دقيقة ابتداء من 24 شعبان 1369، الموافق 11 يونيو 1950، إلى أن يصدر ما يخالف ذلك”. وضع سيصدر ظهير ملكي آخر في أكتوبر 1950، ينص على عودة العمل بالساعة القانونية الأصلية متم ذلك الشهر نفسه.

“المغربة” في مرحلة الاستثناء

الأرشيف الكامل لأعداد الجريدة الرسمية، تصمت عن الإشارة إلى أي لجوء آخر إلى تعديل الساعة القانونية في فصل الصيف، إلى غاية العام 1967، حين سيصدر الحسن الثاني مرسومه الملكي المحدث للساعة القانونية، في ما يشبه “مغربة” القانون الأسبق الصادر في 1913 تحت سلطة الحماية. المرسوم الملكي الذي أصدره الحسن الثاني، هو بمثابة قانون لكونه صدر خلال مرحلة الاستثناء وغياب البرلمان. “بناء على المرسوم الملكي رقم 136-65 الصادر في 7 صفر 1385، 7 يونيو 1965 بإعلان حالة الاستثناء، نرسم ما يلي: “الساعة القانونية في تراب المملكة هي التوقيت الزمني المتوسط لخط كرينويتش”، يقول المرسوم الملكي، مضيفا أن هذه الساعة “يمكن أن تُضاف إليها كل سنة ستون دقيقة ابتداء من تاريخ يحدد بموجب مرسوم، ويرجع إلى التوقيت العادي طبق نفس الشروط”. مقتضيات جعلت الكثيرين يدفعون بافتقاد مرسوم حكومة سعد الدين العثماني الأخير، للشرعية لكونه لم يلتزم بالقيود التي فرضها المرسوم الملكي للعام 1967، والذي نص على إضافة ساعة لمدة محددة بمرسوم، وليس طيلة العام. المرسوم الملكي هو بمثابة تشريع في فترة الاستثناء، وبالتالي يقول الكثير من المختصون إن تعديله لا يمكن أن يتم إلا بواسطة قانون، وليس عبر نص تنظيمي. مرسوم الحسن الثاني، نصّ على اعتماد التوقيت الصيفي في العام 1967 نفسه ابتداء من زوال اليوم 3 يونيو، كما نص على إلغاء العمل بظهير 1913.

التوقيت الصيفي قرين التقويــــم الهــــكلي

بعد هذه المغربة التي قام بها الحسن الثاني للنص القانوني المحدد للساعة القانونية، نجد أن المغرب لجأ إلى التوقيت الصيفي بشكل متقطع، حيث أقره الوزير الأول أحمد عصمان في كل من يونيو 1974 وأبريل 1976 وماي 1978. كما لجأ إلى الاستثناء الذي نص عليه المرسوم الملكي لعام 1967 الوزير الأول المعطي بوعبيد صيف سنة 1979. وبدوه استعمل الوزير الأول محمد كريم العمراني هذا الإجراء لاعتماد التوقيت الصيفي ابتداء من منتصف شهر مارس عام 1984 ثم كرره في صيف العامين المواليين، أي 1985 و1986. من جانبه، الوزير الأول عز الدين العراقي أصدر مرسوما لاعتماد التوقيت الصيفي عام 1989، ولم يعد المغرب إلى هذا الإجراء إلا بعد قرابة عشرين عاما، مع مرسوم عباس الفاسي عام 2008، والذي تحوّل إلى تقليد ثابت طيلة السنوات العشر الماضية.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي