أحزاب ألفت الريع

23 نوفمبر 2018 - 13:26

يستحق تقرير المجلس الأعلى للحسابات، حول تمويل الحملات الانتخابية برسم انتخابات 7 أكتوبر 2016، الوقوف عنده ملّيا، خصوصا أن الخطاب الملكي أمام البرلمان، برسم افتتاح السنة التشريعية الجارية، دعا إلى رفع التمويل العمومي للأحزاب، في إطار مواكبة الدولة للرفع من أدائها ودورها في إنتاج السياسات العمومية.

من المتفق عليه أن التمويل العمومي للأحزاب يعد إحدى الآليات الفعالة لرفع كفاءتها، وعلى اعتبار أن ذلك قد يساعدها في الاضطلاع بدورها الدستوري في تنظيم وتأطير المواطنين وتكوينهم سياسيا، والمشاركة في تدبير الشأن العام وممارسة السلطة. وبالنظر إلى هذه الأهداف السامية، فإن المشرع أخضع التمويل العمومي للتنظيم والمراقبة بواسطة المجلس الأعلى للحسابات، وفي ذلك أيضا محاولة لمنع سقوط تلك الأحزاب في البحث عن تمويلات قد تكون غير مشروعة، سواء من الداخل (مخدرات…) أو من الخارج.

وتقدم الدولة نوعين من التمويل للأحزاب؛ دعم سنوي يوجه لتغطية مصاريف التدبير والتسيير اليومي، ودعم خاص بالحملات الانتخابية العامة، سواء الجماعية أو التشريعية. وقد أحاط المجلس الدستوري، في قرار له صدر سنة 2011، بمجموعة من المبادئ؛ مبدأ المشاركة في الانتخابات العامة، ومبدأ المساواة أمام معايير الدعم، ومبدأ التناسب بين مقادير التمويل الممنوحة وعدد المقاعد وعدد الأصوات التي يحققها كل حزب، ومبدأ تسيير الأحزاب شؤونها بطريقة ديمقراطية، ومبدأ الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

لكن أحزابنا تبدو وكأنها عاجزة عن الاضطلاع بدورها السياسي والتأطيري للمواطنين، ويشهد على ذلك غيابها شبه الكامل عن تأطير الاحتجاجات الاجتماعية المتصاعدة في أكثر من جهة، والأدهى من ذلك أن جلها يبدو عاجزا عن دمقرطة نفسه، وإخضاع أموره التنظيمية لمبادئ الحكامة الجيدة، خصوصا عندما يتعلق الأمر باستعمال المال العام.

في هذا الإطار، يعتبر تقرير المجلس الأعلى للحسابات، حول كيفية صرف الأحزاب التمويل العمومي برسم انتخابات 7 أكتوبر 2016، دليلا على الاختلالات والتجاوزات التي لم تستطع الأحزاب التخلص منها، رغم التنبيهات المتكررة في تقارير المجلس المتوالية حول الانتخابات الجماعية أو التشريعية.

لقد بلغ الغلاف المالي الذي منحته الدولة لـ29 حزبا برسم الانتخابات التشريعية لسنة 2016 ما يناهز 25 مليار سنتيم، يُفترض أن تنفق لتغطية تكاليف الطبع (منشورات، أوراق انتخابية…)، ودعم وكلاء اللوائح، وتكاليف تنظيم لقاءات واجتماعات عامة، ومصاريف الدعاية والتواصل، لكن التقرير أظهر أن جل الأحزاب السياسية لا تلتزم بأبواب الصرف المحددة قانونا، علما أن الكثير من تلك النفقات قد تُبرَّر بالحملة الانتخابية، فيما تُنفق في أشياء أخرى.

هكذا، يكشف لنا التقرير أن 3 أحزاب صرفت دعما عموميا تزيد قيمته على 5 ملايين سنتيم خارج الحيز الزمني المخصص للحملة الانتخابية، كما أن ثلاثة أحزاب أخرى صرفت الدعم التي توصلت به في أمور لا صلة لها بالحملة الانتخابية. ومن المضحكات في هذا الباب، أن الأمين العام للحزب الديمقراطي الوطني صرف لنفسه 18 مليون سنتيم بحجة تسديد قرض لفائدته، وتوزيع منحة عيد الأضحى على العاملين لدى الحزب، وأداء تكاليف كراء مقر الحزب. أما حزب الحركة الشعبية، فقد صرف 18 مليون سنتيم في اقتناء سيارة، يعلم لله إلى من آلت في النهاية. وإذا كان القانون يجيز صرف مبالغ مالية لفائدة وكلاء اللوائح، بالنظر إلى تحملهم مصاريف أكبر في الحملات الانتخابية لأحزابهم، فإن بعض الأحزاب تجاوزت ذلك إلى صرف مبالغ مالية بقيمة 11 مليون سنتيم لفائدة أشخاص آخرين في الحزب، ليست لديهم صفة مترشح التي تخولهم حق الاستفادة من الدعم العمومي. إضافة إلى ذلك، لم يستطع 20 حزبا، من أصل 29 استفادت من الدعم العمومي، إثبات أوجه صرف ما يزيد على 900 مليون سنتيم، تزعم هذه الأحزاب أنها حولت لفائدة وكلاء لوائح الترشيح، لكنها لم تستطع تقديم أي مستندات تثبت ذلك لقضاة المجلس الأعلى للحسابات، ما يثير الشكوك حول مدى احترام القانون. وفي توصيات التقرير نقرأ حث المجلس وكلاء اللوائح المستفيدين من إسهام الدولة على الامتثال للقانون بإيداع حسابات حملاتهم الانتخابية لدى المجلس.

نحن أمام اختلالات تكررت الإشارة إليها في كل تقارير المجلس السابقة، ما يعني أن الأحزاب غير قادرة على التخلص من هذه السلوكات المألوفة لديها، وتحديدا التصرف في المال العام وفق هواها ومآربها الخاصة. إنها أحزاب ألفت الريع ويصعب فطامها عنه.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي