في الكأس جزء ليس فارغا

26 نوفمبر 2018 - 14:19

يقتضي الإنصاف في التعامل مع المستجدات السياسية والاجتماعية التي يعرفها المغرب، التوقف عند الجزء المملوء من الكأس أيضا، ووضع إيجابياته في مكانها ضمن صورة البلاد، حتى لا يعم السواد والظلام، على كامل الصورة، وتختفي ملامح حقيقتها أمام أبناء الدار على وجه الخصوص.  ذلك أن كل مظاهر وقرارات التردد في إقرار ديمقراطية حقيقية في البلاد، لا تعفي المنصف من ذكر الإيجابيات، ولو بنسبة أقل من جرد السلبيات، التي لم تعد في حاجة إلى ذكر لأنها باتت تمشي على قدمين متحدية الجميع.

وسط هذا الضباب الذي يعم المغرب، وفي ثنايا موجة الاكتئاب الجماعي الناتج عن قرارات سياسية خاطئة من الدولة ومن النخب المتحكمة في الأحزاب والنقابات، على حد سواء، تظهر الكثير من الإنجازات الطموحة، التي لا يمكن لتقييمها موضوعيا، إلا أن يجعلها محط افتخار واعتزاز، ويجعل منها نقاط قوة لصالح المغرب بين دول مشابهة، يسيطر عليها الارتباك والتطاحن وتداخل حسابات الداخل والخارج، فتحولت مؤسساتها وشعوبها إلى مجرد رهائن!  اليوم، وعلى هامش الدينامية التي يعرفها قطاع النقل السككي، بعد إعطاء انطلاق العمل بنظام القطارات الفائقة السرعة، كأول دولة في إفريقيا تستخدم هذا النوع من القطارات، وتدشين أكبر محطة قطار في إفريقيا، إلى جانب تدشين محطات أخرى بمواصفات غير معمول بها في الكثير من دول القارة السمراء، هناك فرصة لإعادة تسليط الضوء، على حزمة مشاريع تحققت على أرض المغرب، لا شك أنها سترفع من تنافسيته، ويمكن أن يكون حسن تسويقها مادة تواصلية لوقف نزيف ثقة المواطنين المتواصل في دولتهم، وفي قدراتها على ربح رهانات كثيرة.

فالمغرب اليوم، يتوفر على ثاني أطول شبكة طرق سيارة في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا، وعلى أكبر جسر معلق في القارة، وعلى أكبر ميناء بخدمات متعددة في حوض البحر الأبيض المتوسط، وعلى مصانع سيارات باتت تحقق أرقام إنتاج هي الأعلى في القارة التي ينتمي إليها، بالإضافة إلى إطلاقه قمرين صناعيين في ظرف أقل من سنة، وقرب تدشين المسرح الكبير بالرباط، وكذا أكبر برج في إفريقيا، إلى جانب منشآت أخرى ستحتضنها الجهات الجنوبية.

مشاريع كبرى وبنيات تحتية مهمة، انتقلت من مرحلة التخطيط إلى الاستغلال، كلفت اعتمادات مالية ضخمة، ربما تكون في بعض تفاصيلها قد كلفت البلاد من حيث ارتفاع المديونية، أو من حيث إرباك أولويات الإنفاق العمومي، غير أن النظر إليها من زاوية كون موارد الدولة متواضعة ومحدودة، حيث لا بترول ولا غاز، يجعل من المغرب دولة تستحق الاحترام والتقدير.

طيب، إذا كان كل هذا إيجابي ويُدون في سبورة الإنجازات، لماذا هناك موجة استياء في صفوف المواطنين المغاربة، مصحوبة بأحكام تنقيص وتبخيس وتقليل شأن؟

تحيلنا محاولات الإجابة عن هذا السؤال على التقابل المتداول بين التنمية والديمقراطية، وعما إذا كان لكل تلك المشاريع أثر تنموي فعلا، وانعكاساتها على أساسيات عيش المواطنين، وأيهما أهم وأولى، هل التنمية أم الديمقراطية، وفي تفاصيل التقابل، توجد إرادة المواطنين، التي لم يوفر الدستور سبيلا للتعبير عنها إلا عن طريق صناديق الاقتراع، مرة كل خمس سنوات بالنسبة إلى البرلمان، ومرة كل ست سنوات بالنسبة إلى الجماعات الترابية.

إذن، موقع المواطنين في هذا التقابل تحدده طريقة التعامل مع إرادتهم، احتراما أو دوْسا وإهمالا، وبالتالي، كلما أحس المواطن أن إرادته محترمة ومحفوظة، كلما تابع ما يتحقق بعين الرضا والتفاعل الإيجابي، ولو لم يصله العائد بشكل مباشر وسريع، والعكس بالعكس، لذلك لن يثمّن المجهود الكبير الذي بذلته وتبذله مؤسسات الدولة في جلب الاستثمارات وإنجاز المشاريع الكبيرة، سوى بذل مزيد من الجهد في احترام إرادتهم وجعلها مصدر سيادة كما ينص على ذلك الدستور، وترك الفرصة أمام إفراز ممثليهم بكل حرية، وترك الفرصة أمام هؤلاء الممثلين للتصرف بكل استقلالية لنقل مطالب من يمثلونهم والدفاع عنها.

غير هذا، ستتسع الهوّة بين مسار « الأوراش الكبرى »، التي تظهر في الجزء المملوء من الكأس، وبين مسار شعور المواطنين بالإحباط وبالسلبية تُجاه دولتهم، بسبب الفراغ الظاهر في الكأس، والديمقراطية الحقيقية وحدها كفيلة بتقليل حجم هذا الفراغ!.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

عبد الرحمان وكفى منذ 5 سنوات

انقلاب في الخطاب لا تعلم خفاياه... فبعد الانتقاد يأتي خطاب التثمين؟؟؟ لا ضير إن التنمية الحقيقية تظهر من خلال مستوى عيش المواطن صحة وتعليما ومساهمة في تنمية البلد. إن الفقاعات التنموية تبقى ديكورا مكلفا يستنزف الموارد ليس إلا... وكمثال ماذا نفعل بTGV يوفر دقائق من الرحلة بينما هي الساعات الطويلة الضائعة في كل مرفق من مرافقنا ولو تعلق بأبسط أمر من الحصول على وثيقة أو خدمة أو... مثال بسيط: أغلبية الأطباء بالقطاع الخاص لا يتعاملون بال"موعد" بل عليك الخضور باكرا وانتظار دورك، مما يجعل المواطن المريض يمضي اليوم على طوله بالعيادة أما المستشفيات فبدون تعليق...

التالي