خلفيات عدم استقبال المغرب ابن سلمان

05 ديسمبر 2018 - 19:01

عاد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى بلاده، أول أمس، بعد جولة عربية ومغاربية دون أن يزور المغرب. وذلك في سياق يتسم، من جهة، بالفتور في العلاقات بين البلدين منذ سنتين على الأقل، ومن جهة ثانية، بالظروف الحرجة التي تمر بها السعودية وولي عهدها المتهم بقتل الصحافي جمال خاشقجي. ما جعل التفسيرات تختلف بين من قال إن الملك محمد السادس من رفض الزيارة، وقد يكون اعتذر عنها بشكل لبق حتى لا يستقبل شخصا محط جدل دولي، وبين من ذهب إلى أن الزيارة لم تُبرمج أصلا بسبب خلافات سياسية عميقة بين المغرب وابن سلمان منذ مجيء الأخير إلى ولاية العهد قبل أزيد من ثلاث سنوات.

من حيث الوقائع، فإن عدم استقبال المغرب لولي العهد السعودي ليس الأول من نوعه، إذ خلال سنة 2016 انسحب المغرب من الحرب على اليمن، ووقف إلى جانب مقاربة المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر لإنهاء النزاع، وهو ما رفضته الإمارات والسعودية. وخلال توتر العلاقة بين السعودية وكندا على خلفية وضع حقوق الإنسان في مملكة آل سعود لم يتضامن المغرب مع الرياض على غرار دول عربية أخرى، وهو الموقف نفسه الذي التزم به خلال الضغوط التي تتعرض لها السعودية على خلفية مقتل الصحافي خاشقجي. أما أكبر صدام حصل بين الطرفين فكان بسبب قرار حصار قطر، الذي رفضه المغرب وكان الملك محمد السادس أول زعيم يزور قطر تحت الحصار، وهو موقف لاشك أنه أغضب ولي العهد السعودي. ومن نتائج ذلك تأجيل انعقاد اللجنة العليا المشتركة بين المغرب والسعودية 
إلى أجل غير مسمى.

خبير سياسي مطلع رجّح التفسير الأول، حيث قال لـ »أخبار اليوم » إن الملك محمد السادس قد يكون اعتذر بطريقة لبقة لولي العهد السعودي، وأضاف « لا يمكن تفسير عدم استقبال ابن سلمان بالفتور في العلاقات السياسية بين البلدين، لأن العلاقات وإن كانت فاترة فعلا حاليا، فهي تبقى استراتيجية بين نظامين، وشخصية أيضا بين عائلتين تجمعهما روابط عدة »، مؤكدا أن « الراجح هو عدم رغبة الملك محمد السادس استقبال ولي العهد في التوقيت الذي اختاره، لأنه بات محط جدل دولي بسبب مقتل خاشقجي، والمغرب لا يريد أن تُحسب عليه الزيارة، لذلك فضل النأي بالنفس عن الصراعات في الخليج ولازال على الموقف نفسه، وهي الرسالة التي أراد تبليغها والتأكيد عليها مرة أخرى ».

لكن هناك تفسيرا ثان يربط عدم استقبال المغرب لولي العهد السعودي بالخلافات القائمة، والتي وصلت حد معاكسة مصالح المغرب الاستراتيجية، خصوصا في إفريقيا.

خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية، يرى أن المغرب أبدى انزعاجه غير ما مرة من مواقف وقرارات ولي العهد السعودي، منها رفضه احتجاز رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، كما أن السعودية لم تلتزم بتعهداتها تجاه المغرب الذي يشهد توترات اجتماعية تتطلب استثمارات، فالسعودية لم تف بالتزاماتها المالية نحو المغرب، كما أنها جمّدت التزامات أخرى تتعلق بالتعاون المغربي السعودي في إفريقيا، ولم تف باستثمارات متفق عليها في المجال العسكري. ويضيف يايموت أن الإشكال بدأ مع تغيير ولي العهد السعودي للتقاليد التي كان معمولا بها بين البلدين فيما يخص التشاور وتبادل الرأي قبل اتخاذ القرارات، مشيرا إلى أن صناعة القرار في السعودية كانت أفقية ما يسمح بالاستشارة وتبادل وجهات النظر، لكن ابن سلمان جعلها عمودية مشفوعة برغبة في فرض الرأي والإلزام، وهو ما لن يقبله المغرب أو أي دولة أخرى كانت حليفة للسعودية. يايموت أشار، كذلك، إلى اعتراض المغرب على ممارسات ولي العهد في اختطاف معارضيه، والتي كانت الأراضي المغربية مسرحا لها، حيث تم « ترحيل » أمير سعودي بالإكراه ويُجهل مصيره حتى اليوم، قبل أن يعترض على تكرار الأسلوب نفسه مع أمير آخر مقيم حاليا بالمملكة. ويخلص يايموت إلى القول إن « المغرب منزعج من السعودية بسبب الخروج على منهجية التشاور والتشارك التي كانت قائمة بين الطرفين منذ بداية الثمانينيات » من القرن الماضي.

من جهته، استبعد عبدالمجيد بلغزال، حقوقي ومحلل سياسي، القراءة التي تقول بأن ولي العهد السعودي سعى من خلال جولته العربية (مصر، البحرين والإمارات) والمغاربية (تونس، موريتانيا والجزائر) إلى « تلميع صورته »، واعتبر بلغزال أن « الهدف أكبر من ذلك »، خصوصا وأن ابن سلمان « تعرض لعزلة، بعدما انسحبت شركات ومؤسسات مالية وإعلامية من منتدى « دافوس الصحراء »، وبعدما تعرض « مؤتمر منظمة مسك التي تعنى بالعمل الإنساني في العالم للفشل »، وأيضا بعد « التقييم الأخير لوكالة المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) الذي يدين ابن سلمان واعتراض الرئيس الأمريكي على ذلك من خلال تشبثه بولي العهد السعودي لسببين: مصالح الغاز والنفط، وأمن إسرائيل ». في هذا الإطار، يرى بلغزال أن الهدف من الجولة « هو أن يقول ابن سلمان للغرب، وخصوصا الرئيس الأمريكي ترامب، إنه لازال قادرا على ضمان تلك المصالح، أي النفط وأمن إسرائيل »، من خلال « قدرته على الإمساك بالتوازنات في المنطقة العربية والإسلامية، بل وقدرته على تذليل العقبات من أجل تمرير صفقة القرن »، فيما يخص القضية الفلسطينية.

وعن عدم استقباله في المغرب، نبّه بلغزال إلى أنه « لم يعلن عن أي برمجة لزيارة المغرب منذ البداية، على خلاف الأردن مثلا التي أعلن أنه سيزورها قبل أن تلغى الزيارة بسبب ما قيل عن زيارة الملك عبدالله إلى أمريكا لحضور جنازة بوش الأب »، لكن المتحدث أضاف أن « لا أحد ينفي أن العلاقات بين المغرب والسعودية فاترة منذ القرار السعودي بالتصويت لصالح أمريكا في استضافة كأس العالم 2026، بل وتعبئة الدول بالمال من أجل ذلك، على حساب المغرب. أما من يريد قراءة زيارة ولي العهد السعودي إلى الجزائر وكأنها تجاوز للمغرب، فقد ردّ عليه بلغزال بالقول إن « مصالح الجزائر والسعودية متناقضة »، مشيرا إلى أن « الجزائر كانت وراء الاتفاق السعودي الروسي فيما يخص ضبط أسعار النفط في السوق الدولية، لكن السعودية كانت أول من كسّرت ذلك الاتفاق، استجابة لضغوط ترامب، ما يعني أن الجزائر هي المتضرر الأكبر من انخفاض الأسعار ».

وإذا كان الموقف المغربي قد حاز إعجاب الرافضين لسياسات ولي العهد السعودي في المنطقة، خصوصا المحور القطري التركي، فإن بلغزال يرى أن المغرب « أمام تحد كبير للحفاظ على استقلالية قراره، خاصة في موضوع الصحراء »، مشيرا إلى أن الحفاظ على استقلالية القرار تتطلب « تماسكا داخليا، والحال أن الوضع مرتبك بسبب التراجعات في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما استقلالية القرار تتطلب التأسيس لوضع ديمقراطي حقيقي ».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي