لا تشككوا في قصة وفاتي

13 ديسمبر 2018 - 23:13

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يا سبحان الله! ما ظننت أنكم ستجتمعون هنا. تحياتي للأستاذ المهدي نور على نور. أهلا، أهلا وسهلا سي عبدالكريم، والله لم أعرفك، غادرتنا شيخا كبيرا، أصبحت شابا وسيما. أضحك الله سنكم. من هذا؟ يا إلهي، والله إنه هو، لا إله إلا الله، أتجلس مع الذين كانوا يعارضونك؟! يا له من مجلس رائع! أصبحتم على قلب رجل واحد. هل هذا سي أحمد؟ يااااه، كم أحبك، كنت أريد فهم سر وفاتك، فأصبحت لغزا للعالم، تخيل هذا المآل.

هذه الجلسة، ينقصها رجل واحد، أخي العزيز، رفيق دربي في الدعوة والسياسة، سيلتحق بنا عما قريب، إن شاء الله.

آآآه، نعم سيدي، سؤالك مهم، تركت رفيق دربي، يصارع التحكم، آخر الأخبار التي وصلتني، عن طريق أمه، التقيتها قبل أيام، روت لي، أنها تركته في زمن سياسي صعب. يا سبحان الله ! توفيت في الشهر الذي قتلني فيه القطار، توفيت في الخامس، وأنا في السابع من دجنبر.

أخي في الله، يتألم لفقدان أمه وتوأم روحه – هكذا يلقبني- كلما حل دجنبر. هو معنا باستمرار، يزورنا في المقابر، لدفن الموتى، يعيش معهم أكثر من الأحياء، أسمعه يحدث الناس، وأقول مع نفسي: سبحان الله، لم يبدل.

تحياتي لك مجددا أستاذي، كان اغتيالك حدثا مزلزلا، وكانت قصتك تروى جيلا بعد جيل، كثرت الروايات حول طريقة قتلك، وكثرت الروايات حول مكان جثتك، هل يمكن أن تخبرنا بالحقيقة الآن؟ أه، نعم، رفضت، أحترم رفضك. إذن، ليتطوع شخص من الحاضرين للحديث في الموضوع. ما شاء الله، إنه يبتسم، لا، لا، أنا لازلت أحترمك، فأنت رمز كبير، ولا أريد منك أن تحدثنا في هذا الموضوع.

فعلا، فاجأتكم بحديثي هذا، أفقدتكم متعة الجلوس؛ لشرب الشاي، وأكل كعب غزال. نحن الآن، في عالم الموتى، لا صراعات بيننا، ها أنتم تلاحظون، هذا المجلس يضم المعارضة والمولاة، لا بيانات، لا مظاهرات، لا خطب نارية، لا اعتقالات، لا تعذيب، ولا سجون.

أرجو أن تتقبلوا مقترحي، ما رأيكم، أن ننظم كرسي صراحة، يقوم واحد منا، ويتحدث بصراحة، عن اللحظات الأخيرة من حياته؟

أحرجتموني سادتي الكرام، تطلبون مني أن أكون أنا أول من يحكي قصة وفاته. لا مانع عندي. توفي صديقي العزيز يوم 9 نونبر، تأثرت لوفاته، وكنت أتخيل مشهد الوفاة، لكنني وجدت نفسي مضطرا للذهاب إلى مكان الوفاة، وهناك، جلست متأملا، وغصت في بحر عميق، إلى أن وجدت نفسي أشلاء متناثرة، لم أسمع صوت القطار، ولم أره قادما يريد التهامي.

يا أستاذ، لماذا لم تصدق حكايتي، وظهرت على وجهك علامات الاستغراب، وتبتسم ابتسامة تشكيك؟ أنا أعترف لك بالحقيقة دون زيادة أو، نقصان. تقول: لا يمكن أن يتقبل العقل، دهس القطار لرجل سياسة؟ اسمع أستاذي، اسمع، وهل أنا، لست إنسانا؟ كثير من المواطنين، دهسهم القطار، لأنهم لم ينتبهوا لمروره. لماذا تشكك في روايتي قائلا: لو صدقت روايتك، سأحكي لك قصة وفاتي هكذا: ذهبت إلى فرنسا، واختفت جثتي، كما تختفي الكثير من الجثث، وهذا أمر عادي.

لا، لا، أرجوك أنت أصمت، اسمع إلينا فقط. أستغرب غاية الاستغراب، إذا قتل قطار مواطنا بسيطا، يقبل عقلنا هذا الحدث الأليم، وإذا قتل قطار رجل سياسة نظل نشكك، وقد نتهم طرفا ما دون حجة أو دليل. أنا أعترف لكم في عالم الأموات بالحقيقة، فهل أنتم – أيضا- ترفضون قصة وفاتي؛ كما رفضها بعض الناس في عالم الأحياء؟

أنت كذلك، لم تقتنع براويتي، كلكم تؤكدون أنكم لم تقتنعوا بروايتي، يا إلهي ما هذا! المهم أنا مقتنع، بأن القطار قتلني في غفلة مني. وبمناسبة الذكرى الرابعة لوفاتي التي تحل في السابع من دجنبر، أرجو أن لا يظل العالم يستفهم قصة وفاتي، وأن يشفي نفسه من مرض التشكيك بدواء المحبة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي