تجفيف منابع الإرهاب أم تموينها

28 ديسمبر 2018 - 12:48

 

 

يستعمل كثير من المنددين بالإرهاب عبارة «تجفيف منابع الإرهاب»، وهي عبارة مترجمة من المصطلح الغربي «Vider les sources du terrorisme»، الذي يقصد به، في وقتنا الراهن، العنف المتولد من بعض أشكال التدين الإسلامي الناجم عن توجيه وتأويل بعض النِّحل الدينية المدعّمة من أنظمة معروفة، وهي توجيهات وتأويلات تعبر عن الزمن الاجتماعي لأصحاب النّحل، ولإدراكهم. وقد عبر مؤلف رواية «إدريس، رواية شمال إفريقية» عن هذه البيئة المترجمة لمكونات النّحلة الوهابية كمثال، بقوله: «الوهابية، والحق يُقال، ليست إلا مجرّد حالة نفسية عكسها تعصّب وُلد في بيئة قبليّة، وعبّر عن أكثر ما فيها من غريزيّة وبدائيّة وابتذال». (ص 76). لا ينكر عاقل، أو ملاحظ منزه عن العبث، من أن بعضا من سلوكيات الإرهابيين في العالم الإسلامي تقوم على تنفيذ تلقينات «نِحَل التدين»، وليس قيم الدين، مثلها كمثل ترويعات أمريكية ذاتها، المتجاوبة مع تلقينات منظماتها، كمنظمة «كلو كلوكس كلان»  Klu Klux Klan، وجيش الرب Army of God، وكهنة «فينَس» Phinaes Priestood، وغيرها، كما كان لليابانيين منظمة إرهابية شهيرة «الجيش الأحمر»، ولألمانيا «بدر ماينهوف»، ولإيطاليا «الألوية الحمراء»، وغيرها في مختلف الدول. وخاصة في الدول التي تعاني من غياب الديمقراطية والمساواة في الحقوق والواجبات، وتكافؤ الفرص أمام الجميع. تناقصت ثقافة الترويع هناك بسبب تحقيق المواطنة للجميع، المتمثلة في العيش الكريم، والالتزام بالقانون الذي يعلو فوق الجميع ولا يعلى عليه، واختيار حكامهم بحرية، وفق المشاريع الاجتماعية المقترحة من قبل الأحزاب المتبارية في الاستحقاقات الانتخابية، وعدم المساس بكرامة المواطنين وحقوقهم في وطنهم. ويعد نموذج دول اسكندنافيا معيارا معتمدا وذا مصداقية. ولعل هذا ما ساهم في الانتصار النسبي على الإرهاب، وليس بتعامل قوات الأمنية، والأحكام القضائية فقط.  ومما هو متعارف عليه أن الفقر والحرمان من الحقوق الأساسية للحياة الكريمة، والفوارق الاجتماعية الظالمة، والظلم المجالي؛ كل ذلك سبب رئيس لارتكاب أعمال ترويعية، وجرائم، لا تنتمي لا إلى دين ولا إلى أي معتقد آخر.  ويفضل البعض من الميؤوسين بتغير الحال أن يرمي بنفسه في البحر، مفضلا القيام بلعبة الحظ الروسية «الروليت الروسية» (La roulette russe)، وهو لا يستبعد أن يتحول إلى لقمة للحيتان والأسماك، أو الوصول إلى الضفة الأخرى، حيث ينجو من الفاقة، ومن ظلم من سلبه كرامته، وحرمه من حقه في ثروة وطنه. أما آخرون الذين لُقّْنوا توجيهات وأوامر لا تنتمي إلى دين الحياة، يُوظفُون لتحقيق مآرب من دفعوهم إلى ترويع الناس، وارتكاب جرائم القتل؛ وهي مآرب لا نعتقد بأنها بعيدة في أهدافها عمن نهب ثروة الوطن وسلب المواطنين كرامتهم، وحرمهم من حقوقهم في وطنهم؛ فالمثل يقول: إن الحاج موسى هو نفسه موسى الحاج». أما الذين ينحازون إلى اتهام المدرسة المغربية بزرع فكر الإرهاب في الناشئة، فلسنا ندري إن كان خطأ المدرسة الوحيد هو منهجيتها في تدريس موضوعات التربية الإسلامية؟ أم إن المنهجيات التي تدرس بها التربية الوطنية والتاريخ والجغرافيا والأدب والفلسفة صائبة؟ ثم هل مسألة فساد المناهج جديدة على مدارسنا، أم هي قديمة، تم تبنيها لغرض ما. وقديما وصف ابن خلدون المدرسة المغربية بقوله: «تجد طلاب العلم (…) لا يحصلون على طائل من ملكة التصرف في العلم والتعليم (…) وما أتاهم القصور إلا من قبل التعليم وانقطاع سنده». ونعتقد بأن الوضع لايزال مستمرا. أما الذين يرون أن الحل يكمن في «محاربة «أسلمة المجتمع»، والعمل على «أستلنة» المغاربة (من الستالينية)، والذين يرون أن الحل يكمن في الاقتداء بالسلف. فإننا نعتقد بأن الجانبين يسبحان معا في السحاب، ويعبّران معا عن عجزهما على تقديم مشروع مجتمعي قابل للتنفيذ على أرض الواقع، يحقق العيش الكريم، وكل حقوق المواطنة لجميع المغاربة. أما الإرهاب فسيبقى بلا ملة، وبدون إيديولوجية، لأن الإرهابيين لهم عقيدة مشتركة، هي قتل المخالف، بدون أي وخز من دين أو ضمير، مهما تتعدد أو تختلف مرجعياتهم.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي