سنة الخيبات... 2018

31 ديسمبر 2018 - 13:51

قد لا تكون سنة 2018 سنة استثنائية في تاريخ المغرب. فقد خلت من قبلها السنوات، إذ مرت دون رهانات سياسية أو انتخابية، لكنها ستبقى سنة رسخت مسار التراجعات، الذي دخلته بلادنا منذ سنوات في مجالات مختلفة، وربما دون استثناءات تُذكر، لكنها ستظل مع ذلك محفورة في الذاكرة من خلال ثلاثة مجالات سجلت فيها أحداث، على قدر كبير من الأهمية شكلت ناقوس إنذار لمن لازال يملك حاسة السمع.

المجال الأول، يتعلق بالمسألة الاجتماعية، حيث عرفت سنة 2018 استمرار الطلب الاجتماعي كامتداد للحَراك في الريف، جرادة، زاكورة وأوطاط الحاج، لكن واقع الغضب الاجتماعي ظهر بشكل واضح، أنه يتجاوز بكثير تلك المناطق، بل أضحى يشكل الحديث اليومي لدى فئات واسعة من المجتمع؛ في القرى، والمدن الصغرى والحواضر الكبرى، في البيوت البسيطة وفي صالونات الطبقة المتوسطة، الجميع يتحدث لغة واحدة، ويطرح سؤالا وحيدا، إلى أين نسير؟ وحده الخطاب الرسمي يرى إنجازات لا يراها طيف واسع من المغاربة. اللهجة التي تتحدث بها الأغلبية « المسحوقة » اليوم، غادرها بريق الأمل، واستوطن فيها كثير من الشك والخوف مما تحمله الأيام…، هذا الخوف يتقاسمه معهم حتى جزء غير يسير من الطبقة الميسورة، ليس بمنطق العوز والحاجة، لكن بمنطق الخوف على مصالحهم وأرزاقهم، في ظل وضع اجتماعي مأزوم ينذر بأوخم العواقب، خاصة وأن الدولة توجد في حالة شبه إفلاس، بالنظر إلى حجم المديونية الذي حطم كل الأرقام، واتخذ طابعا بنيويا ترك المجال واسعا أمام العصا في ظل غياب الجزرة…

المجال الثاني، الذي طبع السنة التي نتمناها بلا رجعة، هو المجال الاقتصادي، حيث شكلت الحركة المدنية المتمثلة في مقاطعة عدد من المواد الاستهلاكية بصمة سنة 2018 بلا منازع، هذه الحركة وجّهت سِهام النقد مجددا لزواج المال بالمصالح والسلطة، وهو زواج يمثل خطرا على المال والسلطة معا. هذه الحركة الواسعة، والتي كان لها صدى تجاوز حدود المغرب، كانت عبارة عن شد قوي على ناقوس الخطر، وأظهرت أن الوعي السياسي يخترق طبقات وفئات واسعة من المجتمع، وأنه حتى في ظل ضعف وغياب الوسطاء التقليديين، فإن المغاربة لا تعوزهم الوسائل والأدوات التي يمكنهم من خلالها إبلاغ احتجاجهم بصوت عال، على رأسمال أكثر جبنا من نظرائه؛ استسهل الريع واقتصاد « الهمزة »، وما يمنحه القرب من مراكز صنع القرار من حضوة وامتيازات في ظل غياب منطق السوق وقواعد المنافسة، وهذا ما جعلنا عمليا أمام « أبطال » اقتصاديين من ورق، يفتون في الاقتصاد الجديد، وهم غارقون فيما سمّاه كارل ماركس بـ »التراكم البدائي » لرأس المال… حركة المقاطعة حققت أهم أهدافها، وهي القدرة على تعبئة طيف واسع من المغاربة بشكل سلمي أبطل الاختيار الأمني، وتفادى تلك المواجهات التي يتم استثمارها عادة لتحوير المطالب الاجتماعية، كما أن المقاطعة سمحت لفئات كثيرة كانت مستقيلة من كل قضايا الشأن العام، أن تعود إلى موقعها الطبيعي في طليعة مواجهة رأسمال متوحش يتدثر بنيوـ ليبرالية ليست أقل وحشية منه.

المجال الثالث، يتمثل في المجال الحقوقي، فإذا كانت سنوات 2015، 2016 و2017، سنوات لإغلاق القوس السياسي، فإن سنة 2018 مثلت سنة إتمام إغلاق القوس المتعلق بالحريات والحقوق، وخاصة حرية الصحافة. فقد كشفت الوقائع وتقارير المنظمات الوطنية والدولية عن سيل من الخروقات التي عرفتها كثير من القضايا المعروضة على القضاء، من معتقلي حَراك الريف إلى تحريك المتابعة القضائية من جديد، في حق عبدالعلي حامي الدين، مرورا بمحاكمات معتقلي جرادة، وحميد المهداوي، وصولا إلى محاكمة توفيق بوعشرين، وكأن البعض يريد للناس أن يصمتوا ويرضوا بقدرهم، كما أنه يريد أن يتم كل ذلك دون شهود…، لكنه في الحقيقة لا يعمل سوى على تعزيز مناخ عدم الاستقرار، هذا الاستقرار الذي كلف المغاربة الشيء الكثير، بينما يمن به البعض عليهم اليوم… وكأنه أقصى ما يمكن أن يطالبوا به!

هذه هي سنة 2018، سنة الخيبات لا ردها الله.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي