مُعتقل سابق تزمامارت يحكي لـ"اليوم24" جحيم التعذيب النفسي: بالأكل والنظافة والظلام..وحتى بالجثث!

14 يناير 2019 - 05:02

 

 ما أبرز ممارسات التعذيب النفسي التي بقيت عالقة في ذهنك من جحيم تازمامارت؟

يجب أن نميز هنا بين المعتقلين والمختطفين، فجميع أشكال التعذيب النفسي التي يمكن تخيلها تمارس على المعتقلين السياسيين والعسكريين، ولكن قضيتنا نحن تختلف نوعا ما، لأننا بالأساس تعرضنا للاختطاف ووضعنا في معتقل، لا أسميه سجنا، لأن السجن له قوانينه وقواعده ونظامي برغم الخروقات التي تمارس فيه أحيانا، وحتى السجين يملك في السجن الوسائل التي تخول له الدفاع عن نفسه القانونية منها وغيرها. أما نحن في معتقل تازمامارت، فقد كان غير نظامي ولا يخضع لأي قانون إلا قانون السجان.

كما أنه لم تكن هناك مراقبة، وكانت هنالك أوامر لتعريضنا لجميع أنواع التعذيب. نحن وضعنا في المعتقل حتى نموت موتا بطيئا، بعبارة أخرى الجلاد يفعل بالمعتقل ما يريد. أما أساليب التعذيب النفسي فكانت متعددة، وفي مقدمتها كل ما من شأنه تحطيم معنوية ونفسية السجين أو المعتقل. الحرمان من الخروج تعذيب نفسي وجسدي، فمثلا، كانت لنا «نويفذة» صغيرة في الزنزانة، ولتحطيم معنوياتنا عمدوا إلى إغلاقها، علما أنها كانت المتنفس الوحيد لنا الذي يطل على الدهليز، وهو نفسه مظلم. هذا عدا عن السب والشتم غير المبرر، لم يكن هناك شيء اسمه التواصل، بل حتى النظر إلى وجه السجان كان مرفوضا. أثناء تقديم ما يسمى بـ»الطعام»، لأنه كان عبارة عن ماء وملح، يعمدون إلى ضرب الإناء، وإذا ما تأخر المعتقل في أخذ إنائه يجري ركل الصحن بالأرجل. فتح وإغلاق الأبواب الحديدية، والتي كانت تتم بطريقة عنيفة، وهي وسيلة لتحطيم المعنويات والتعجيل بخروج الإنسان ميتا من الزنزانة، خاصة أنه لم تكن هنالك أدوية ولا شروط النظافة، بالإضافة إلى ظلام الليل والنهار، والبحث عن مسببات الحرمان حتى من الأكل، فإذا قمت بالرد عليهم أو طلبت منهم شيئا ما يجري عقابك لمدة يومين أو ثلاثة وحرمانك من كل شيء، على اعتبار أنك متمرد.

مسألة أخرى، تمثلت، أيضا، في التعامل مع الجثث لتحطيم المعنويات، إذ كانوا يتعاملون مع جثة الميت بطريقة محطمة للنفس ومهينة.

ومما زاد من تحطيمنا آنذاك، أننا كنا نعول على الأحزاب المعارضة، خلال انتخابات 76، حتى تضيفنا إلى برنامجها الانتخابي وتطالب بالإفراج عنا، لكنها خانتنا وحطمتنا نفسيا ومعنويا، وبدأنا في السقوط موتى واحدا تلو الآخر، لأنه كان لنا بصيص أمل، لكن اليأس ضرب بأطنابه في الدهليز.

  لو تعطينا فكرة عن الضغط النفسي الذي تعرضتم له قبل وصولكم  إلى تازمامارت، يعني خلال فترة الاختطاف والتحقيق؟

تصوري أنه يوم اختطافنا أصبحنا بضاعة ولم نعد آدميين، وحينما وصلنا إلى تازمامارت غدونا أرقاما، فأصبحنا نقول: «رقم 6 مات، ورقم 7 مات، وذاك الرقم كذا.. وهكذا». غداة ترحيلنا من القنيطرة منعونا من أخذ أي شيء معنا، وكان الوقت حينها صيفا. عصبوا عيوننا ورمونا في الشاحنات قبل ترحيلنا عبر الطائرة، إذ أمر ربان الطائرة بتصفيد أيدينا وراء ظهورنا، ومنذ ذاك بدأ التصعيد في الإهانات واستعمال جميع وسائل اللعب بالأعصاب جرى اتباعها معنا، ما يعرفه الناس وما لا يعرفونه.

كيف كان التعامل خلال فترة التحقيق؟

خلال هذه الفترة وحتى يحطموا معنوياتنا قام بالتحقيق معنا قاضي التحقيق، الذي هو نفسه النيابة العامة، بمعنى كما يقال بالعامية «هو قاضي التحقيق وموغريق»، فحينما كنا نجيب عن أسئلته يقوم بكتابة ما يريد هو، في حين أن الأغلبية الساحقة جرى التحقيق معهم من قبل قضاة مدنيين. وحينما كنا نواجهه بالحجج والبراهين يقوم بقلب الطاولة علينا، وأنا شخصيا حدث ذلك معي أكثر من مرة، باختصار كان التعامل فظيعا.

 ما الآثار النفسية التي خلفها هذا النوع من التعامل لديكم؟

لازلنا محطمين نفسيا إلى اليوم، وبرغم أننا نداري ونتعايش مع ما مررنا به، لكن الجرح لازال حاضرا ولن يشفى وليس له دواء. ومن يقول إنه خرج من تازمامارت وأصبح عاديا وتمكن من الاندماج في المجتمع، فهو كاذب لأنه صعب جدا. التعذيب النفسي لازال يمارس علينا إلى اليوم، فنحن حتى الآن، محرومون من معاشاتنا وملفنا لم يجدوا له حلا بعد، كما وقع مع ملفات باقي موظفي الدولة. لازال مسلسل الانتقام مستمرا، ولازال عذابنا النفسي مستمرا أيضا، فحينما تخرج إلى الحياة العامة بدون معاش، فهذا تعذيب نفسي مستمر.

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

driisi anis منذ 5 سنوات

raj3 nafsac 3lach mchiti ltazmamart, hit broto tnawdo siba ol fawda bane 3likom lkhir tabriwh li cha3b khaskom i3dam fi dic lwa9 mais lmarhoum hane 3likom

التالي