صبرا آل الزفزافي..

30 يناير 2019 - 14:05

في بيته المتواضع مبنى والممتلئ معنى، حكى لي «عيزي» أحمد الزفزافي بداية الحكاية. روى لي العلاقة الخاصة التي تجمع بين ابنه ناصر ووالدته «خاتشي»، زليخة. سرد عليّ وقائع تلك الليلة الطويلة التي غيّرت مسار عائلة.

كان ناصر لا يرد طلبا لأمه، حتى لو خالفها الرأي، يلبي طلباتها، لا يبغي غير رضاها، لم يكن ثمة في هذا الكون الشاسع ما يماثل رضاها عنه، وفي ليلة الفاجعة تلك، فاجعة طحن الشهيد محسن فكري، لم يكن ناصر على علم بما وقع، كانت خالتي زليخة هي من أخبرته بما حصل، حين دخل المنزل لتناول وجبة العشاء، وأمام هول ما سمع، اندفع خارجا، ربما لكي يستطلع فقط، لم يكن يدور في خلده أن تلك الاندفاعة ستغير حياته، ومصير أسرته، وتاريخ الريف، ومسار الوطن.

ظلت «خاتشي»، زليخة، تنتظر عودة ناصر، وفوق المائدة وجبة عشائه البسيطة، فيما عمي أحمد انشغل كدأبه بمطالعة كتاب، طال غياب ناصر، لم يكن والداه يعلمان تطورات الأحداث، رغم أن بناية الأمن حيث الاعتصام الذي دشن بداية الحراك الشعبي لم تكن بعيدة عن منزلهما، حتى فاجأهما الابن البكر طارق بـ»اللايف»، الذي كان ينقل ذلك الحوار التاريخي بين ناصر من جهة باعتباره ممثلا للمعتصمين، وبين عامل إقليم الحسيمة وممثل النيابة العامة بها، هنا سيلتحق الأب بابنه، فيما ستغير خالتي زليخة مكان انتظارها نحو باب البيت، كانت قلقة على «المرضي». ما وقع أمام بناية الأمن ليلتها دخل للتاريخ مسجلا وموثقا، وسينتقل إلى الأجيال اللاحقة عبر كل أنواع الذاكرات: الشفهية والمكتوبة والرقمية، لكن مشهدا في الحكاية لم تره لا الجموع التي ناصرت «الناصر»، ولا الذين طعنوه في ظهره، ولا الذين ظلموه وأفسدوا مسار مصالحة بين المركز والريف، لم تكن قد استوت بعد على «الجودي».

حين عاد ناصر للبيت بعد اقتراب خيوط الفجر الأولى، ارتمت عليه خاتشي، زليخة، أمام باب البيت الصغير، ورجته بكل الحب والخوف أن يعدها بعدم تكرار ما قام به، ربما كان تاريخ التراجيديات الريفية التي شهدتها قد مثل أمام ناظريها كتنين الحرائق.. ولأول مرة «سيعصي» لها ناصر ما أمرت به، أجابها: «لو طلبت عيني يا «يما» لن أبخل عليك، إلا هذه، إلا هذه.. لقد خرجت اليوم يا «يما»، وقد عاهدت الله والشهيد والريف بألا أعود».. وبكى.. تراه بكى حزنا على الشهداء الذين أقسم بدمائهم أمام بناية الشرطة على الوفاء لهم.. أم تراه بكى لأنه رد طلب أم ظلت أمام البيت في ليلة باردة تنتظره.

وكان قدر النضال قاسيا على آل الزفزافي.

اغترب الابن الأصغر «لطفي» في المنفى البلجيكي، وهو الذي شهد اقتحام البيت حين كانوا يبحثون عن ناصر، وستظل ذاكرته تختزن للأبد مشهد الأم يدفعها غلاظ شداد، حتى نقلت إلى المستشفى في وضع متدهور. أصيب «محمد» الشديد الشبه بأبيه من حيث روحه المرحة في كليتيه، ليدخل مسلسل العمليات الجراحية المتسلسلة، محمد الملقب بـ»الحكومة» اضطر للعمل بطنجة موازاة مع متابعته للدراسة الجامعية بها، حتى يخفف قليلا من الأعباء المالية لعمي أحمد الذي لم يبق في تقاعده سوى 1300 درهم، وغالبا سيكون ذلك العمل العضلي سببا في مرضه.

أما الابن البكر طارق، فكان مصيره الفصل من العمل، ليصبح مرافقا لأبيه في رحلاته المكوكية من الحسيمة نحو البيضاء.

ثم تكون الفاجعة بإصابة خاتشي، زليخة، بالسرطان، وبعدها بكسر في عمودها الفقري.

ولأن المصائب تأتي تباعا، ستكتشف الأسرة إصابة ناصر المحكوم بعشرين سنة نافذة بتقلص شرياني في الجهة اليمنى من الرأس، إصابة تم إخفاؤها عن العائلة من طرف المسؤولين عن سلامته وأمنه منذ 11 شهرا، مما يرقى دون مواربة إلى مرتبة الجريمة، التي تقتضي فتح تحقيق محايد، وترتيب الجزاءات..

أم مريضة بالسرطان، وابن مصاب بعجز في الكلية يمنعه من المجهود البدني الشاق، وآخر مغترب اضطراريا، وثالث مفصول من عمله وهو أب، والرابع محكوم بعشرين سنة ومهدد بالشلل النصفي أو بنزيف دماغي إذا لم يتم الاستعجال باستشفائه.

هذا قدر عمي أحمد الزفزافي أن يواجه كل هذه الفواجع، ثم يتكالب عليه في توقيت واحد صبيان جمهورية «اللايف» وإعلام «شوهة تيفي» و»مخزن.كوم».

فصبرا آل الزفزافي، فموعدكم: الحرية، تيليلي، ليبيرطادا.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي