هل نحن مرتشون ثقافيا؟

30 يناير 2019 - 14:07

هذا نوع من الأحكام المتعلقة بنا، والتي صارت تُلقى على عواهنها في أيامنا هذه.  المجتمع المغربي هو هذا وهو ذاك، أحكام تلقى في أوجهنا هكذا بالجملة. مع أن ليس هناك ما يبررها.  وها هي مع مرور الزمن تحولت إلى كليشيهات مسلم بها ولا يتم مساءلتها.

هناك أشياء كثيرة يمكن قولها عن هذا المجتمع المغربي المرتشي، الذي سرى الفساد في عروقه، حتى صار يعتبر من مكوناته الثقافية. فبمثل هذه السهولة يتم صياغة الكليشهات التي  يجب علينا مساءلتها، مثلما يقال عنه إنه مجتمع خانع وسكيزوفريني وهلم جرا.

وتبعا لهذا المنوال، نحن جميعا أيا كنا مخلوقات فاسدة تبعا لإرث جيني ثقافي. وبهذا يتم تصنيفنا خارج التاريخ وإكراهاته وتطلعاته على خلاف شعوب أخرى اعتبرت نبيلة ثقافيا: فنحن لا نتطور لأننا غارقون فيما هو ديني، ونجد  الفساد ثاويا في دواخلنا الثقافية من خلال عملية غريبة!

لا ولا! فالمجتمع المغربي ليس فاسدا لا بالطبيعة ولا بالثقافة. إن الرشوة والفساد هما مسألة ومسؤولية السلطات التي تحكمنا. هما نتاج نمط ممارسة السلطة. السلطات المحلية في مغرب ما قبل الاستعمار لم تكن تتقاضى راتبا شهريا ولا سنويا، بل كانت تعيش على حساب السكان. كانت السلطة تحدد الضريبة حسب مكانة الزبون، الذي كان يتم سلبه أكثر أو أقل حسب قيمة ما يدفع أو يفرض عليه من رشوة، وكان للعمال اليد الطولى في القضاء، والحكم، والاعتقال، وكان يتم الاحتفاظ بالمتهمين والمحكومين في السجن أو يتم إطلاق سراحهم حسب المبلغ المدفوع، ومنذ وقت ليس ببعيد كان رجال الدرك وغيرهم من رجال السلطة لايزالون يتصرفون بالطريقة نفسها. وكانت «الهدايا» طريقة لنيل الرضا وتفادي السخط. هذه الممارسات كانت تخترق أجهزة الدولة من القمة إلى السفح، وتفرض الرشوة كطريقة وظيفية في العلاقة بين الحاكمين والمحكومين. ظلت مثل هذه الممارسات مترسخة، وعلى الرغم من المظهر العصري لجهازنا الإداري، فإن العمل على هذا الشكل لازال مستمرا، حتى مع مهندسين يحملون دبلوماتهم حسب الأصول، ويعقدون ربطات أعناقهم بإتقان.

لا ولا! مجتمعنا ليس فاسدا ثقافيا بالجملة، بل إن السلطات ورجالها وأعوانها ووسطاءها هم الفاسدون ثقافيا في تعاملهم مع السكان، وتقع على عاتقهم مسؤولية هذه الممارسات وليس على المجتمع بأكمله. إن الكليشيهات المذكورة آنفا ليست إلا أسلوبا لجعل ذنب السلطة مسؤولية مشتركة وهروبا من التحليل العميق للمجتمع ومكوناته!

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي