في الساحة المقابلة لمتحف محمد السادس بمدينة الرباط، يجتمع عشرات الشباب يوميا ابتداء من الساعة الرابعة زوالا، بدون موعد مسبق، يجتمعون على شكل مجموعات مصغرة مكونة من شخصين إلى عشرة أشخاص. من يمر بمحاذاة الحديقة يخيل إليه أن هناك مهرجانا شبابيا، فالبعض يغني أغاني « البوب والراب والجاز.. »، وغيرها من الأنواع الموسيقية الغربية، والبعض الآخر يتدرب على المشي بـالزلاجات « les rollers »، في حين هناك مجموعة تمارس هواية الرقص.
يبدو لك وأنت تقترب منهم أنك تدخل عالما آخر غير العالم الاعتيادي، ملابسهم مختلفة وفضفاضة وألوانها قاتمة، أحذيتهم كبيرة تشبه أحذية العساكر في الجبهة، لهم تسريحات شعر موحدة، الإناث شعرهن طويل ومجعد، أما الذكور فشعرهم غير مرتب والبعض منهم اختار تسريحة « الرسطا ». كان الدخول إلى عالمهم وكسب ثقتهم صعبا، لكن بعد الأخذ والرد قبل البعض الدردشة معنا.
سخط على السياسة
سمير، الذي لم يكمل بعد العشرين ربيعا، يدرس في الأقسام التحضيرية بالمدرسة المغربية لعلوم المهندس وهي مدرسة خاصة، يحكي أنه يعيش بشخصيتين، شخصية أمام أسرته التي لم تتقبل طريقة تفكيره وعيشه، وشخصيته الحقيقية التي يعيش بها، وهو خارج البيت. ليس لهذا الأخير هموم غير فرض شخصيته والعيش على الطريقة التي تروقه. لا يتابع السياسة ويعتبرها طريقة استرزاق لفئة صغيرة على حساب الشعب، لم يفكر في التصويت أو حتى الانخراط في حزب أو جمعية، يقول بغير اهتمام: « السياسة تخربيق وفيها غير المصالح الشخصية ». الرأي نفسه، يتبناه صديقه الملقب بـ « الروفكس »، الذي يقطن بحي « العكاري » بالرباط، انقطع عن الدراسة قبل خمس سنوات بعد رسوبه في الحصول على شهادة الباكالوريا، ويدبر مصروفه من خلال الرقص في الشارع رفقة مجموعة من الشباب، حيث يرى الشاب العشريني، ذو البشرة القمحية والشعر المجعد، أنه « لا توجد سياسة في هذا البلد وكاين غير الشفارة »، موضحا أن « السياسة لعبة تناوب بين أشخاص معينين نهبوا ثروات البلاد ويجهزون على الباقي ».
سألنا الشابين كيف يمكن أن يحدث التغيير؟ وما الذي سيعيد لهما الثقة في الساسة والسياسة؟ على ما يبدو أن هذين الشابين لديهما صورة قاتمة عن الوضع، إذ يعتبران أنه حتى وإن ذهب هؤلاء الساسة، فالوضع لن يتحسن، والمغرب ذاهب لا محالة نحو الهاوية لأن كل ثرواته نُهبت، مشددين على أن من سيخلف السياسيين الحاليين سيكون مثلهم أو أكثر، فيما تمنى سمير لو ظل الاستعمار الفرنسي في المغرب قائلا: « يا ريت لو كان الاستعمار باقي على الأقل نكونوا مواطنين فرنسيين ». وعن سؤالنا حول متابعتهما للصحافة وما ينشر، عبرا، أيضا، عن سخطهما من الإعلام، معتبرين أنه « لا ينقل الحقائق ».
غير بعيد عن الشابين كانت هناك شابة عشرينية، تدخن سيجارة حشيش، تنفث دخانها ببطء، طريقة كلامها لا تختلف عن الشابين، وحين تتحدث تحرك أطرافها وتغير ملامح وجهها كما لو أنها تتقمص دورا مسرحيا. الشابة كانت مترددة في الحديث إلينا، لكن عندما شاهدت رفيقاها يتحدثان بأريحية قررت الدخول في الدردشة قائلة: « خص الثورة تنوض باش يتصلح هاد الشي »، موضحة أنها « كشابة لا تثق في أي أحد من السياسيين، وأن كل وعودهم تتبخر كما أنها لا تشعر بالأمان هنا في المغرب ». قبل أن تنهي حديثها، قاطعها « الروفكس » بأن أغلب الشباب « محكور » ولا تُعطى لهم الفرصة للإبداع والكشف عن مواهبهم، وأن الدولة تريد القطيع وليس شباب يفكر ويقول « لا ».
عقدة الدين
« مللي تخلط الدين بالسياسة مشا الدين »، هذا هو رأي « إلي » أو إلياس الصديق الملتحق بالمجموعة، يبلغ من العمر 26 ربيعا، متخرج من شعبة علم الاجتماع بكلية الآداب بالرباط، عاطل عن العمل منذ أزيد من ثلاث سنوات، يغطي رأسه بقب السترة التي يرتديها، يضع نظرات شمسية زرقاء اللون، وسلسلة فضية في عنقه، ثم يسترسل « الدين هو مسألة فردية. لماذا يستخدمونه في السياسة وينتقمون من الناس بواسطته؟ ». الشباب الأربعة الذين التقيناهم غير متدينين، ولا يؤمنون بالحاجة إلى الدين في حياتهم، لكن سمير يقول إنه « رغم أنه لا يصوم لا يستطيع أن يجهر بذلك أمام أسرته ويمثل أنه صائم في رمضان ويشاركهم طاولة الإفطار »، موضحا « أنه رغم أن والديه قاما بمجهود جبار في تربيته الدينية، لكنه لا يشعر بوجود الله معه وأنه حُرم من كثير من الأشياء بسبب الدين »، لكنه يستدرك قائلا: « أؤمن بوجود الله، لكن لا أشعر بوجوده في حياتنا اليومية، وإلا لِم يوجد هذا الظلم والحيف والفساد؟ ».
الشابة، التي تُدعى « رُؤى » تخاف المتدينين والدين، تقول « لولا أننا ازددنا في هذا البلد، لكنا نعتنق ديانة أخرى غير الإسلام، معتبرة أن الدين أصبح يشكل عقدة لهم، فكل شيء محرم وغير مرغوب يربطونه بالدين »، مردفة أن « الله لا يمكن أن يدقق في هذه التفاصيل الصغيرة ويترك القتلة والمفسدين وشأنهم ».
ضغط الأسرة
ونحن في خضم النقاش مع الشباب الأربعة يبدو أن الشباب الآخرين شعروا بالحاجة إلى الدلو بدلوهم هم أيضا، فبعدما رفضوا الحديث في البداية التحقوا بنا وهم متحمسون للنقاش، سألناهم عن رأيهم في الأسرة، هل لازال لها الدور نفسه لتلعبه؟ أغلب الشباب الذين وصل عددهم إلى سبعة عبروا عن سخطهم من تحكم الأسر ووصاية الأبوين. « تيتو » 22 ربيعا، طالب بشعبة اللغة الإنجليزية في كلية الأداب بالرباط، يضع وشما على يديه اليمنى ويحمل زلاجات تحت إبطه، يعتبر أن أسرته أصبحت تشكل عائقا أمام أحلامه، ويتمنى لو كان له استقلال مادي للعيش وحده، مشددا على أنه « لا يتفاهم مع والديه ويعتقدان أنه مختلف عنهما وأن شكله شاذ ». سألناه هل سبق وأن فتح معهما نقاشا حول طريقة تفكيره وأحلامه، فأجاب « أنهما لا يفسحان له المجال للنقاش أو حتى الكلام، وأنهما يتقنان فقط، لغة التوجيه والانتقاد والتوبيخ وحرمانه من مصروفه اليومي، وتابع قائلا: « أنتظر فقط، الحصول على إجازتي وسأهاجر خارج البلد لأعيش كما أريد، بدون تدخل من أي أحد ».
« رؤى » بدورها قالت إنها تعاني تحكم أسرتها وإنها أصبحت منزوية في بيت أهلها لا أحد يفهمها أو يحس بها، حيث حكت لنا أن والدتها في أحد الأيام اقترحت عليها أن تزور طبيبا نفسيا ليعالجها من الاكتئاب، حيث ظنت والدتها، تقول رؤى، أنها من « عبدة الشياطين »، مشيرة إلى أن سبب انعزالها في البيت عن باقي الأسرة هو عدم وجود شخص يفهمها وبإمكانه أن تناقش معه همومها وأفكارها، وأنها حين كانت تعبر عنها كانوا يعتبرونها تافهة ومجنونة.
المخدرات أيضا..
يتعاطى الشباب السبعة أنواعا مختلفة من المخدرات، لكن أغلبهم يدخن « الحشيش ». يحكي سمير عن أن تعاطيه للمخدرات ليس أمر سيئا، بل يساعده على التركيز والدراسة والانفصال عن العالم، موضحا أنه يدخن الحشيش وفي بعض الأحيان يستعمل « الكوكايين »، لكن في المناسبات فقط، وزاد قائلا: « الواقع الذي نعيشه يحتم عليك الانفصال عنه، وإلا ستجد نفسك في الشارع مثل المجانين ». تعاطي المخدرات لدى هذه المجموعة من الشباب يتم بشكل جماعي، حيث يتناوبون على تدخين السيجارة، ثم يعيدون الكرة إلى أن يبلغوا مرحلة الانتشاء، وعندئذ يستأنفون الرقص والغناء. ويحكي « الروفكس » أنه يتعاطى « المعجون »، بالإضافة إلى « الحشيش »، مردفا أن « المخدرات هي التي تساعده على الرقص أمام الملأ دون خجل وتجعله يتحدث بطلاقة »، مستدركا أنه رغم تعاطيه للمخدرات إلا أنه يمارس الرياضة بشكل يومي ليحافظ على لياقته وقوته. وحول ما إن كان الأهل يعرفون أن أبناءهم مدمنون على المخدرات، نفى كل من تحدثنا إليهم، حيث قالت « رؤى » إنها قبل دخولها بيت الأسرة تستعمل نوعا من العلك لتزيل به رائحة السجائر، بالإضافة إلى استعمال العطر ومرطب خاص حتى لا يتحول لون شفتيها إلى الزرقة بفعل تدخين الحشيش. فيما أكد الذكور أن بعض الآباء يدركون تعاطي الأبناء للمخدرات، لكن هناك تواطؤا خفيا لتجنب المواجهة، وهو ما أكده إلياس، الذي قال إن والدته تعرف أنه مدخن، ومرارا وجدت السجائر في سترته، لكنها لا تعلق على الأمر بشكل مباشر، وفي بعض الأحيان تلمح بأن التدخين مضر بالصحة ويسبب السرطان ومكلف ماديا.