الحماموشي: الحكم على بوعشرين انتقامي

16 فبراير 2019 - 07:00

هل سبق لك أن تعرفت على توفيق بوعشرين؟

لم أربط علاقة مباشرة بتوفيق، لكن كنت ألتقيه صدفة مع بعض الأصدقاء. تعرفت عليه بداية عبر كتاباته في جريدة المساء التي كان من حين إلى آخر يقتنيها أحد أفراد عائلتي، وكنت أستغل الفرصة لقراءتها، وبعدها جريدة « أخبار اليوم ».

كيف تجد تجربته الصحافية؟

هي تجربة تستحق الدراسة. لقد استطاع الرجل بناء نفسه بنفسه، دون مساعدة من السلطة وأجهزتها كما حدث مع الكثير من المقاولات الصحفية، التي أصبحت تابعة للأجهزة بشكل يثير الاشمئزاز. ولذلك يحظى توفيق- كباقي الصحفيين الشجعان- باحترام الخصوم قبل الأصدقاء. ويحسب له أنه كان وسيبقى قلما حرا- سواء اتفقت أو اختلفت معه-  يعبر باعتدال عن المطالب الديمقراطية.

يظهر للعموم أن كتابات توفيق كانت تشكل خطرا على السلطوية، إذ في كل المراحل كانت الأخيرة تستهدفه بمحاكمات وغرامات باهظة الثمن. وهذا ليس بجديد، تاريخيا لقد لعبت الصحافة الحرة دورا مهما في دمقرطة المجتمع والدولة. وبالتالي فهي ترعب أصحاب المصالح  والمتنفذين وأصحاب القرار. وهناك عدد كبير من الصحفيين حدث لهم ما حدث لبوعشرين، أخص هنا بالذكر الصحفي التونسي المعارض لنظام بنعلي توفيق بن بريك، الذي اتهم بمحاولة اغتصاب فتاة بباريس، ليظهر فيما بعد أن الفتاة لم تكن إلا عميلة للمخابرات التونسية، وذلك تبين بفعل القضاء الفرنسي المستقل.

كل التجارب الصحفية التي مر منها توفيق تظهر أن الأخير كان صحفيا مستقلا عن مختلف الجهات، وربما ذلك هو السبب الرئيسي للمحنة التي يعيشها الآن. وعلى ذكر الاستقلالية أتذكر الحوار الذي جرى بيني وبين أحد الأصدقاء الشباب المنتمين إلى اليسار الديمقراطي- بعد اعتقال توفيق- مضمونه أن هذا الصديق يعتبر بوعشرين تابعا لحزب العدالة والتنمية وتيار بنكيران بشكل كامل. لكن بعد النقر على محرك بحث كوكل، والبحث في أرشيف مقالات توفيق، وجدنا العكس هو الذي كان يحدث. إذ أن توفيق كان ينتقد السيد بنكيران حين « فرط » في صلاحياته الدستورية لصالح القصر، وهذا مقطع من مقال نُشر بتاريخ 1 ماي 2012:  « على بنكيران أن يتجنب السقوط في أخطاء عبد الرحمان اليوسفي القاتلة، وأولها إفراطه في الجري خلف إرساء الثقة بين الحكومة والقصر إلى درجة فرّط معها في صلاحيات الحكومة ».

لذلك من الصعب تصنيف توفيق في خانة من الخانات، وهذا لا يعني أنه قد يكون قريبا من جهة أو أخرى، لكن من دون تبعية.

كيف تنظر إلى اعتقاله والحكم الابتدائي الصادر في حقه؟

لقد تم اعتقال توفيق نتيجة لأفكاره وافتتاحياته التي تنتقد السلطة، ولعل مقاله المعنون بـ « أخطر أزمة » كان سببا في إصدار أمر اعتقاله، نظرا لما يحمله (المقال) من نقد لاذع للسلطة.

لا يكمن الحديث عن الحكم الابتدائي الصادر ضد توفيق من دون الحديث عن طريقة اعتقاله اللاقانونية. إذ يعتبر اعتقال الأخير اعتقالا  تحكميا، « لأن القانون ينص على أنه لا يمكن الزج بأي مواطن في السجن إلا بمقتضى سندات الاعتقال، وهي إما حكم قضائي غير قابل للطعن، أو أمر صادر عن قاضي التحقيق باعتقاله احتياطيا، وهذه السندات غير متوفرة في ملف بوعشرين »، كما يقول محمد رضى، عضو لجنة الحقيقة والعدالة في قضية بوعشرين. وأضف إلى ذلك العدد الكبير من الخروقات التي مست الملف (لا يتسع المجال لذكرها).

أما بالنسبة للحكم، فهو ظاهر أنه انتقامي من شخص توفيق ومن تجربة « أخبار اليوم ». وبالإضافة إلى الوظيفية الأولى الذي تحدثنا عنها (الانتقام)، فإن وظيفته الثانية هي زرع الرعب والخوف في نفس أي صحفي مستقل.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي