الجزائر كلها بوتفليقة

02 مارس 2019 - 14:30

لم يسبق أن كانت الجزائر منسجمة مع اسم أحد رؤسائها، مثلما عليه الحال الآن. البلد كله متفلق، وفي اللغة: فلق الشيء وفلّقه تعني شقه إلى شطرين. فهل كانت الجزائر منشقة ومتفلقة كما هي مع بوتفليقة هذه الأيام؟ الشارع يهدر، والعسكر يُهدد ويُحذر ويتوعد من يرفضون العهدة الخامسة لرئيس مصاب بجلطة دماغية، ولا أحد يعرف إن كان بوتفليقة نفسه يعرف أنه مرشح وله برنامج ومؤيدون. الرئيس لم يعد قادرا حتى على الذهاب، ولو فوق كرسيه المتحرك، إلى صندوق الاقتراع للتصويت على نفسه. بل هناك من يتساءل: هل مازال الرئيس حيا يرزق، أم إننا نتصارع حول جثة هامدة؟ لقد كان الشاعر محمود درويش يقول: «يحبونني ميتا ليقولوا: كان مِنَّا وكان لنا»، فيما هؤلاء يريدون بوتفليقة حيّا، بل ورئيسا، ليقولوا للجزائريين: إننا هنا نحكمكم باسم رجل مريض، وتحت شرعية الخوف من شبح العشرية السوداء.

يصرخ قادة الأحزاب والمثقفون والنقابيون والصحافيون والطلبة وبعض أطر جبهة التحرير: كفى، الجزائر ليست عقيمة، ويطالب بعضهم، فقط، بتأجيل الانتخابات شهرين، فيجيبهم قائد الجيش: هذه نداءات مشبوهة. تخرج لويزا حنون وتقول إن احتجاجات الجزائريين ستكون شبيهة بمثيلاتها الرافضة للديكتاتورية في البرتغال، عام 1974، تبدأ بالورود وتنتهي بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، فيخرج في إثرها الوزير الأول، أحمد أويحيى، ويقول إن المسيرات في سوريا بدأت بالورد وانتهت بالدم. هذا هو قدرنا العربي؛ فعندما نقول لحاكمينا: نريد كرامة وحرية، نريد عدالة وديمقراطية مثل إسبانيا التي توجد فوق ترابنا، وفرنسا التي تجري في عروقنا وهوائنا، يقولون لنا: احمدوا لله الذي جنبكم مصير سوريا وليبيا.

الزعيمة اليسارية، لويزا حنون، الرجل الوحيد في الجزائر، كما كانت تلقبها قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، تقول إن ما تعيشه الجزائر هذه الأيام هو مسار ما قبل ثوري، وإن الثابت، تاريخيا، أنه لا يوجد نظام قرر طواعية الذهاب وسلّم المفاتيح، وأن هناك دائما ميزان قوى هو من يجبر أي نظام على الرحيل، وتستشهد بما حدث في تونس، قبل سقوط نظام بنعلي، حين حدثت شروخ داخل المؤسسات التي ترمز إلى النظام. لكن الزعيمة اليسارية لا تقول لنا إن الجيش في تونس لعب دورا حاسما لصالح ثورة الياسمين، وإن الجيش في مصر قام، حُيال ثورة 25 يناير 2011، بخطوة إلى الوراء، لكن من أجل خطوتين إلى الأمام، مكنته، بعد انقلاب 3 يوليوز 2013، من العودة بشراسة ودموية، جعلت المصريين يتباكون على عهد حسني مبارك، ويلعنون اليوم الذي خرجوا فيه ليقولوا له: كفاية.

إن الذين يراهنون على الاحتجاجات الاجتماعية لتغيير الأنظمة غير الديمقراطية في المنطقة العربية، في غياب أي دور للجيش، لا يفعلون «إلا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ»، على حد قول الشاعر كعب بن زهير. فهل يمكن أن تلعب الجيوش أدوارا لإرساء الديمقراطية وحمايتها، كما حدث في تونس 2011؟ يستحيل ذلك على المدى القريب، فالجيش الجزائري، اليوم -وهذا ينسحب على أغلب الجيوش العربية- انتقل من التجربة العسكراتية الدكتاتورية التي كان يحكم فيها وحده، إلى تجربة الشريك في الحكم مع البيروقراطيات المدنية السلطوية، المحاطة ببرلمانات متحكم فيها ودساتير مائعة، يجري تغييرها وتطويعها حسب المطلوب. لقد تحدثت ترانسبارنسي العالمية عن أن المؤسسة العسكرية في عدد من الدول العربية تتخبط في الفساد، وأن منسوب الشفافية ومكافحة الفساد في قيادة جيوش الجزائر ومصر وليبيا وسوريا واليمن هي من بين الأسوأ على مستوى العالم.

إن الجيش الجزائري، في أحسن الأحوال، قد يغازل رافضي العهدة الخامسة، ويحول دون عودة بوتفليقة إلى الحكم، لكن، من سابع المستحيلات أن يسمح بصعود رئيس قوي ومستقل، يعيد الاعتبار إلى المؤسسات والدستور، ويحارب الفساد، ويعيد الجيش إلى الثكنات والحدود.

ختاما؛ عندما أتأمل ما يفعله حكام الجزائر الفعليون، هذه الأيام، برئيسهم، أتذكر ما فعله أمثالهم لدينا، قبل 125 سنة، بأحد أبرز سلاطيننا. فعندما توفي الحسن الأول، سنة 1894، بمنطقة الرحامنة، أركبه حاجبه الشهير، باحماد، هودجه وتوجه به، في استعراض عسكري وعلى عزف الموسيقى، إلى عاصمة ملكه بفاس، دون أن يعلم أحد من العسكريين أو الموسيقيين المحيطين بالموكب أن السلطان الذي يحرك رأسه، دلالة على رضاه عن جيشه وحاشيته، ليس سوى جثة هامدة يحركها الحاجب، الذي لم يكن، في الحقيقة، يحجب غير خبر موت السلطان عن أبنائه الكبار، لتولية أصغرهم مولاي عبد العزيز المُلك، ثم إلهائه بما يمكن إلهاء أي مراهق به، والحكم بدلا عنه. هذا ما يقوم به الآن الجنرال قايد صالح.. يتبادل الأدوار مع سعيد بوتفليقة، أصغر أشقاء الرئيس، من أجل الحفاظ على مصالح مُركَّب الجيش والبيروقراطية المدنية الفاسدة، وإطعام الشباب المختنق والعاطل شعارات التحرر والاشتراكية ودعم الشعوب المضطهدة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الحبيب منذ 5 سنوات

سيد سليمان, ألا ترى معي أن بلدنا الطيب هذا أحق بالإهتمام, لدينا كثير من المشاكل و الهموم و التراجعات مثلهم, و نحن كذلك لا علاقة لنا بالديموقراطية, و نحن كذلك محط انتقاد و تقارير سلبية من مختلف المنظمات, و أحزابنا مجتمعة لا علاقة لها بالديموقراطية, و برلماننا ملؤه الأعيان, و انتخاباتنا تتم عن طريق اللوائح و التزكيات و ليس البرامج و الصناديق, و أقل الإيمان, أن تسكتوا و تدعوا سرا أن يحفظ الله الشعب الشقيق....

التالي