رغم التحسن النسبي في مؤشرات التشغيل، إلا أن المعطيات المالية والاقتصادية التي سجلتها سنة 2018، من حيث تراجع نسبة النمو، وتراجع الاستثمار، وتباطؤ نمو الناتج الداخلي الإجمالي، جعلت والي بنك المغرب، عبداللطيف الجواهري، يبدي تشاؤما، ويحمل المسؤولية للسياسيين، قائلا إن المستثمر يحتاج إلى الثقة وإلى رؤية للمستقبل كي يغامر.
وردا على سؤال حول رأيه الشخصي، في التباطؤ الاقتصادي، الذي يعرفه المغرب، وتراجع نسب النمو شدد والي بنك المغرب خلال ندوة صحافية عقدها إثر انعقاد اجتماع مجلس البنك أول أمس الثلاثاء 19 مارس، قال: “إن السياسة هي السبب لأنها تؤثر على كل شيء”، مضيفا أن “الفاعل الاقتصادي يحتاج إلى رؤية وثقة”، ويجب أن تكون الرؤية بالنسبة إليه “واضحة” حول إلى أين يسير؟ وشدد على أنه “عندما ينظر الفاعل الاقتصادي إلى أمور أساسية لها علاقة بالسياسة، فإنه يتساءل كيف يمكنه أن يغامر؟ واستدرك الجواهري قائلا بأنه لا يقلل من أهمية الجانب الاقتصادي والمالي وضرورة تحديد الأولويات المرتبطة بهما، لكنه شدد على أن العامل الأساسي هو “سياسي”.
وقدم والي بنك المغرب، مثالا، بمشروع “الرقمنة” قائلا إن بنك المغرب أجل استراتيجيته، لأنه يريد أن يدمج فيها موضوع الرقمنة، مشيرا إلى أن ذلك يحتاج إلى موارد بشرية ومالية وتنظيمية، لكنه تساءل “أين التشريع؟”، في إشارة إلى تأخر الحكومة، قائلا: “لا يمكن أن نتأخر على هذا المستوى”. وحول مدى تشاؤمه أو تفاؤله بالمستقبل، رد قائلا: “في حياتي الخاصة أنا دائما متفائل، لكن في حياتي المهنية يغلب عليّ التشاؤم”، بسبب المشكلات في القطاع الاقتصادي، و”التعقيد الذي يعرفه العالم”، مشيرا إلى التحولات التي تعرفها بعض الدول مثل بريطانيا بعد تصويتها على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأمريكا في ظل سياسة الرئيس ترامب.
وبخصوص المعطيات الاقتصادية والمالية التي سجلها البنك، فإن من أبرز إيجابياتها ما يتعلق بسوق الشغل الذي عرف تحسنا نسبيا في 2018، بإحداث 112 ألف منصب منها 65 ألفا في قطاع الخدمات. وتراجعت نسبة البطالة من 10.2 في المائة إلى 9.8 وطنيا، وفي الوسط الحضري انخفضت من 14.7 في المائة إلى 14.2، لكن البطالة لازالت مرتفعة في صفوف الشباب الحضري المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، في حدود 43.2 في المائة.
لكن معظم المؤشرات الأخرى سلبية، فقد تباطأ نمو الناتج الداخلي الإجمالي في الفصل الثالث من 2018، ليصل إلى 3 في المائة، مقارنة مع 3.9 في المائة خلال الفترة نفسها من 2017. أما نسبة النمو فوصلت إلى 3.1 في المائة مقارنة مع 4.1 في 2017، وتباطأت القيمة المضافة الفلاحية من 15.4 في المائة إلى 4.3 في المائة، مع تسجيل ارتفاع طفيف في الأنشطة غير الفلاحية، من2.7 في المائة إلى 2.9 في المائة، ويترقب أن ترتفع هذه الأنشطة إلى 3.4 في المائة في 2019، و3.8 في 2020.
وارتفعت نفقات المقاصة بنسبة 15.6 في المائة لتصل إلى 17.7 مليار درهم وتراجع الاستثمار بـ2 في المائة، إلى 65.7 مليار وتفاقم العجز إلى 41.4 مليار درهم، أي 3.4 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، علما أن قانون المالية 2018 حدد هدف وصول العجز إلى حدود 3 في المائة، وتوقع بنك المغرب تفاقم العجز سنة 2019 ليصل إلى 4.1 في المائة، دون احتساب مداخيل الخوصصة. وبخصوص توقعات السنة الفلاحية هذا العام وأخذا بعين الاعتبار للمعطيات المناخية إلى حدود 10 مارس، يتوقع بنك المغرب أن يصل إنتاج الحبوب إلى حوالي 60 مليون قنطار في 2019، مع تراجع القيمة المضافة الفلاحية بـ3.8 في المائة. وعموما، يرتقب أن يسجل النمو الوطني تراجعا سنة 2019، بنسبة 2.7 في المائة. 6
الجنات الضريبة وهجوم والي بنك المغرب على الاتحاد الأوروبي
انتقد والي بنك المغرب عبداللطيف الجواهري، إدراج الاتحاد الأوروبي للمغرب ضمن اللائحة الرمادية “الجنات الضريبية”، والتهديد بإدراجه في اللائحة السوداء. واعتبر الوالي، أن هذا التصنيف ينطوي على اعتبارات “سياسية”، داعيا السلطات المغربية إلى خوض مفاوضات “شاملة” مع الأوروبيين، قائلا: “كيف نتعاون معهم في مجال محاربة الإرهاب والجريمة والهجرة السرية ونتبادل معهم المعلومات.. ويقولون لنا إننا في اللائحة الرمادية للجنات الضريبية”، وأضاف مخاطبا الأوروبيين، “هل تأخذون منا ما يروقكم وتريدون معاقبتنا فيما لا يروقكم؟وحث الحكومة على إدراج هذه النقطة في المفاوضات مع الأوروبيين. وتعني الجنات الضريبية أو الملاذات الضريبية تلك الدول التي تتمتع أنظمتها البنكية بقوانين تحافظ على سرية حسابات زبنائها الأجانب لتساعدهم على التهرب من دفع الضرائب في بلادهم الأصلية. وبخصوص اللائحة الرمادية للاتحاد الأوروبي، فإنها تعني الدول التي لا تتوافق مع المعايير الأوروبية في مجال محاربة التهرب الضريبي. وسيكون على المغرب ملاءمة تشريعاته في غضون سنة 2019 للخروج من هذه اللائحة.