أبو الغيط: أي أزمة في الجزائر ستكون وبالا على دول الجوار

25 مارس 2019 - 01:02

في هذا الحوار ينتقد السياسي والدبلوماسي المصري المجرب، أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية منذ 2016 خلفا لمواطنه نبيل العربي، التدخل الغربي في شؤون الدول العربية، ضاربا المثل بالنتائج الكارثية للتدخل في سوريا وليبيا.

قبل البدء في الحوار استوقفنا محاورنا أحمد أبو الغيط بالقول: جامعة الدول العربية لا تهتم بالأمور الدينية لأنها منتظم «علماني». وأشار، كذلك، إلى أنه تحت سماء الدول الـ22 الأعضاء في الجامعة العربية يعيش المسلم والمسيحي واليهودي. هذا الدبلوماسي المخضرم، والبالغ من العمر 76 عاما، يحذر خلال كل مساحة الحوار من كون التدخل الغربي في العالم العربي لا يوصل إلى بر الأمان. كما يحذر من الأخطار المحدقة بأوروبا في حالة انزلاق الأوضاع في الجزائر للعنف، مطالبا الغرب بعدم حشر أنفه في الشؤون الخاصة للجزائريين لأنهم قادرون على النجاح في تحقيق التوافق فيما بينهم من أجل مرحلة جديدة.

لنبدأ بشمال إفريقيا. ما رأيك في إعلان الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، عبر رسالة، داعيا فيها إلى تأخير الانتخابات، فضلا عن حزمة من الإجراءات المرافقة؟

من الواضح أن المتظاهرين كانوا يحتجون والرئيس تفاعل معهم بشكل إيجابي بالقول إنه سيؤخر الانتخابات ولن يترشح لعهدة خامسة، داعيا إلى ندوة وطنية للحوار حول إطار جديد للجزائر عبر تعديل الدستور وآليات أخرى. نحن في مرحلة جديدة، وسنصل إلى عهد جديد قريبا بطريقة سلمية.

لكن الشعب الجزائري لازال في الشارع ويرفض خارطة الطريق التي زفها بوتفليقة..

بداية، لا بد من الحذر من نشر الفوضى في المجتمع. فالمجتمعات التي تسقط في الفوضى تدفع الثمن باهظا. يجب على الناس أن تحتاط وألا تتدخل في الشؤون الداخلية للجزائر. وأنا على يقين أن الجزائريين سيتوصلون إلى اتفاق وخلاصات فيما بينهم. أما إذا حضرنا أزمة بالجزائر، فلن يعاني من ويلاتها الجزائريون وحدهم فقط، بل الكثير من الناس، بما في ذلك دول الجوار، وبمن فيهم أنت. اترُكُوهم يحلُّون مشاكلهم الخاصة لوحدهم وسيكون لهم ذلك. وأنا متأكد من أنهم سينجحون.

هل تخشى من تصاعد الهجمات العنصرية ضد المسلمين مثل تلك التي هزت نيوزيلندا يوم الجمعة الماضي؟

بالطبع، نحن جد قلقين من تكرار مثل هكذا هجمات في أي مكان بالعالم. الظاهرة التي نشهدها اليوم، جد خطيرة. لنستحضر حالة مدينة «بيتسبرغ» (Pittsburgh) بالولايات المتحدة الأمريكية، عندما تعرض المعبد اليهودي لهجوم [في 27 أكتوبر والذي خلف 11 قتيلاً] على يد يميني متطرف ينتمي إلى جماعة العنصريين البيض. انطلاقا مما حصل ويحصل نتوجس خيفة من احتمال وقوع هجمات أخرى ضد الكنائس أو المساجد أو المعابد. وهنا يجب الإقرار بأن الإرهاب لا دين له ولا عرق له؛ فهو ظاهرة منتشرة في كل أرجاء العالم، ما يفرض علينا توحيد كل الطاقات والجهود لهزمه، وذلك من خلال مداخل التربية والتعليم، وعبر نقل طبيعة الآخر للجميع بعيدا عن أحكام القيمة. عندما يجهل الناس بعضهم بعضا، تشعر بالخوف، وعندما تخاف، تهاجم، وربما، تصل إلى حد القتل. يجب تعزيز وتعميم تبادل المعلومات والمعارف والتفاهم عبر المحتويات التي تدرس في المعاهد والمدارس، وما يذاع عبر التلفاز وما يناقش في البيت… هذه هي مسؤولية الأمم: أن تكون مسلما أو مسيحيا أو يهوديا هو، في نهاية المطاف، انتماء ديني فقط، لكننا بشر قبل كل شيء.

هل لازالت سوريا ضمن المناطق العربية غير المستقرة. وهل يمكن القول إن الحرب تقترب من وضع أوزارها؟

هذا ما أتمناه، لكنني لست متأكدا لأنه لازالت قوات خارجية موجودة داخل سوريا؛ ثم إن هناك دولا مجاورة وقوى أخرى متورطة في سوريا، كما أن بعض المناطق السورية لازالت تحت سيطرة جماعات قريبة من الإرهاب أو تتصرف كجماعات إرهابية.

اليوم، هل يمكن أن نتفاءل بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد ثماني سنوات من الغياب؟

لا أتوقع بعد، حدوث مثل هذه العودة التي تتحدث عنها. عندما أُسْقطت سوريا من جامعة الدول العربية تم ذلك بقرار من مجلس وزراء الخارجية. وهذا المجلس نفسه، هو من يملك قرار عودتها من غيره. أتابع باهتمام شديد ودقيق ما يجري في سوريا، لكن لا أرى بعد مؤشرات إيجابية لعودة سوريا. لهذا، ومن أجل عودتها، لا بد على الأقل أن تتقدم دولة عضو بمشروع قرار إعادة سوريا، والعمل على إقناع الدول الأعضاء الأخرى على قبول رجوعها. في الحقيقة، ليس لدينا مثل هكذا اقتراح على الطاولة في الوقت الراهن.

لكن، ما الذي يجب أن يحدث لكي تعود سوريا إلى حاضنة جامعة الدول العربية؟

يجب أن يكون هناك نوع من الإجماع بين الحكومة السورية والمعارضة، أي أن تتوصل الأطراف إلى اتفاق سياسي واسع يقود إلى التهدئة في سوريا. عندما يتفقون فيما بينهم ستعود سوريا إلى أحضان جامعة الدول العربية.

إذن، من كلامك يُستشف أن موقف جامعة الدول العربية هو أقرب إلى الموقف الأوروبي منه إلى الأمريكي؟

لا. نرفض التدخل في شؤون السوريين. عندما نرى قوات تتدخل في سوريا لا ندعمها. لقد عاينا ما حدث مع القصة الحزينة التي أطلق عليها الغرب ما يُسمى «الربيع العربي». في جزء كبير في العالم العربي نطلق عليه «الخراب العربي». التدخل تسبب في الكثير من المعاناة والمآسي: قتل ودمار ولاجئون… لا يجب أن تفوت عليكم حقيقة أن موقف الكثير من الدول الأوروبية ضد بشار الأسد، حفز مواطنيها على السفر إلى سوريا. هذه حقيقة. إذ خرج مواطنون من فرنسا والمملكة المتحدة عبر تركيا للقتال في الأراضي السورية. المهم الآن، هو وقف التدخل الأجنبي في الشؤون السورية.

هل أنتم في الجامعة العربية راضون عن تدبير السعودية لقضية قتل الصحافي جمال خاشقجي في السفارة السعودية بإسطنبول؟

اعترفت السعودية بتوقيف مجموعة من الأفراد، تصرفوا بشكل غير لائق وخاطئ، وقد تم اعتقالهم، وستتم محاكمتهم. أنا راض، ثم إن الإجراءات القانونية تتخذ مجراها الطبيعي. ومع ذلك، يوجد الكثير من الأشخاص خارج السعودية والمنطقة يحاولون استعمال القصة المأساوية لمقتل جمال خاشقجي لاستهداف السعودية. نحن لا نوافق هؤلاء الرأي، ولن نكون معهم.

كيف تتأثر جامعة الدول العربية بأزمات أعضائها مثل ما يحدث بين دول الخليج أو في شمال إفريقيا؟

لما تواجه دولة عربية صعوبات داخلية، فإن ذلك يشل فعاليتها وقدراتها على المساهمة في جامعة الدول العربية. لكن، أريد هنا أن ألفت الانتباه إلى ليبيا؛ تدخلت العديد من الدول الأوروبية وحلف شمال الأطلسي فيها، رغم أن قرار الأمم المتحدة لم يخولها الحق في القيام بذلك، ثم إن قرار مجلس الأمن نص وبشكل واضح على فرض منطقة حظر الطيران. لكنهم، للأسف، استخدموا قواتهم الجوية للتدخل في الأراضي الليبية.

أفهم، إذن، من كلامك أن الفوضى ازدادت بعد الربيع العربي بسبب التدخل الأجنبي؟

هذا بكل تأكيد.

إذن، ما الذي كان يمكن القيام به في عودة الاستقرار إلى ليبيا؟

هذا هو المشكل. إذ لا أحد يتوفر على جواب شاف عن الأزمة، أو ما أسميها «التراجيدية الليبية». تحركت بعض القوات، وأدت الفوضى التي أعقبت سنة 2011 إلى ظهور المئات من المليشيات المسلحة والجماعات التي تواجه بعضها البعض في شرق وغرب وجنوب ليبيا، وموجهات من اللاجئين الواصلين من وسط إفريقيا للعبور إلى أوروبا… إنه لوضع بالغ التعقيد. وشخصيا، وبكل بصراحة، ليست لديّ إجابة كاملة وشافية حول كيفية التعامل مع هذا الوضع المعقد.

عن صحيفة «إلباييس»

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي