إصدار رواية حول يأس الشباب.. الكبيري: "كلاي" تقارب الإعدام من زاوية مختلفة- حوار

04 أبريل 2019 - 10:01

أصدر الروائي أحمد الكبيري، في السابق، روايات: (مصابيح مطفأة، مقابر مشتعلة، أرصفة دافئة، شكرا سيدي الرئيس…) تناولت قضايا مختلفة. لكن روايته الأخيرة «كلاي» عالجت موضوعا خطيرا يتصل بانحراف الأجيال الحديثة وجنوحها وظواهر الجريمة. في هذا الحوار، نتوقف عند رأي الكاتب حول موضوع روايته هذه.

 أولا، هل يمكن اختصار رسالة روايتك الأخيرة «كلاي» في جملتها ما قبل الأخيرة: «فلا سقطت عقوبة الإعدام ولا عاش من طالب بإسقاطها»؟

لا أظن أنني في حاجة، في زمن الفيسبوك، إلى كتابة رواية من أكثر من مائتين وعشرين صفحة خلال ست سنوات، لتكون رسالتها كشعار يحمله متظاهر بحماسة زائدة: “لا سقطت عقوبة الإعدام ولا عاش من طالب بإسقاطها”، بينما تدوينات قصيرة على حائطي كافية لأوجه مباشرة وبشكل فوري، مئات الرسائل من هذا القبيل إلى العالم. أعتقد أن رواية “كلاي”، حتى وإن قاربت عقوبة الإعدام وملابسات الحكم بها على بطل الرواية “كلاي” بسبب اغتصاب وقتل صبية لم يتجاوز عمرها الأربع سنوات، إلا أنها قاربتها من وجهة نظر مختلفة تماما، عما تذهب إليه المنظمات الحقوقية التي تطالب الدول بإسقاطها، ومختلفة، أيضا، عن وجهة نظر الدول التي تصر لأسباب متعددة على الإبقاء عليها…

فعقوبة الإعدام في رواية كلاي، جاءت كخلاص، أصبح المحكوم به نفسه يتمناه ليتحرر ويرتاح. فنجد أول فقرة تبدأ بها الرواية، هي تقديم الشكر للقاضي من طرف “كلاي”، يقول: “شكرا سيدي الرئيس…” قلتها بعفوية، بمجرد ما نطق القاضي بحكم الإعدام في حقي. قلتها له، كما لو كنت أطلب صفحا من أحد دست خطأ على حذائه. في قرارة نفسي، لم أكن مقتنعا به قاضيا، لكني قلتها له عرفانا وامتنانا على هذا الخلاص العظيم”. ثم يردف في الفصل نفسه: “مع ذلك شكرته بمحبة كبيرة. لقد كنت أشبه ما أكون، بروح معذبة، ظلت حبيسة داخل إنسان مريض لسنوات طويلة، فوجدت أخيرا من يحررها. من كان في وضعي لا يُقْتل، إنما يُحرر”.

وعلى الرؤية نفسها، تنتهي الرواية لما يبصم المتهم بالعشرة على الحكم عليه بالإعدام، إذ يقول: “اغتصبت العديد من النساء والفتيات واعتديت بالضرب على كثيرين، وختمتها باختطاف واغتصاب طفلة في ربيعها الرابع حتى الموت، لأكون جديرا بلقب قاتل الناس جميعا، وأبصم بعدها بالعشرة على إعدامي. فلا سقطت عقوبة الإعدام ولا عاش من طالب بإسقاطها. الموت في حالتي رحمة.” وهنا يطرح سؤال جارح كنصل سكين، لماذا وصل الحال ببطل الرواية “كلاي” إلى هذه الدرجة من اليأس حتى صار يتمنى أن يعدم ليرتاح؟ أعتقد أن التيمات العديدة، التي قاربتها الرواية حاولت أن تجد بعض الأجوبة والقراءات لهذا الذي حدث، وليس تبريره. ولِم لا فتح النقاش حوله.

 تقدم الرواية صورة قاتمة عن الأجيال المغربية الحديثة، هي صورة الجريمة والجنوح والاغتصاب واللصوصية، إلخ. لكن تلتمس لها العذر، إذ تعتبرها ضحية واقع مادي ورمزي يحرمها من التنشئة القويمة والتربية الجيدة. إلى أي حد يمكن اعتبار الرواية إدانة للسياسة وطرق تدبير شؤون المجتمع؟

صحيح أن الصورة التي تقدمها الرواية قاتمة، لكن قاتمة بالنسبة إلى من؟ الذي يعيش حياة مترفة، يسكن في حي راق بمدينة كبيرة، يتنقل ويسافر بسيارة فارهة، يعالج في مصحات خاصة، وأبناؤه يتابعون دراستهم في معاهد ومدارسة عليا في الخارج، ولهم حسابات بنكية سمينة، أكيد ستظهر لهم الرواية (إذا تفضلوا بقراءتها) واقع الحال قاتما، بل قد تصدمهم.

لكن أغلب الناس البسطاء الذين يعيشون شظف العيش ومأساته ويرون أبناءهم يموتون أمامهم واقفين كأشجار يابسة برأس الدرب بلا آمال ولا آفاق، سيعتبرون الصورة التي تقدمها الرواية، ما هي إلا لقطة صغيرة من حياة المآسي التي يعيشونها بشكل يومي. وسيكون من دواعي افتخاري واعتزازي إذا أعطت الرواية لقارئها الانطباع بأنها صرخة فنية في وجه الظلم والتهميش والإقصاء، واحتجاجا على السياسات العوجاء المتبعة في مجالات أساسية كالتعليم والصحة والتشغيل والعدالة.

يحضر الآخر الأوروبي في الرواية بصورة ناصعة، بينما يقدم المغرب بصورة قاتمة. ما الغاية من إجراء هذا التقابل الذي يكاد يستعيد التمثيل الاستشراقي؟

*** لا تكون المقارنة سيئة إلا إذا كانت خلفيتها، نية الإساءة والتشويه والاحتقار، أما لما تكون المقارنة مبنية على خلفية حب البلد والغيرة عليه، والحلم برؤيته في المكانة التي يستحقها بين أمم متقدمة ومتحضرة، نكون قد تجاوزنا النظرة الاستشراقية المتعالية، واتجهنا رأسا لانتقاد السياسات التي أوصلتنا إلى هذا الوضع، بتسليط الضوء على المهمش والمسكوت عنه في واقعنا.

ثم لا ننسى أننا أمام شخصية روائية لها منطقها الخاص، كان عيشها بين المغرب وألمانيا أحد الأسباب الرئيسة في تمزقاتها وانحدارها.

 تنبني الرواية على لغة بسيطة ومباشرة. هل هذا التوظيف اللغوي نابع من غاية قوامها إيصال رسالتها؟ أم إن طبيعة الشخصيات هي التي فرضت ذلك؟

أعتقد أن النقاش حول اللغة ومستوياتها وتعددها في كتابة الرواية، سيظل قائما ومرتبطا في جزء كبير منه بحرية الإبداع وباختيارات وقناعات الكاتب الشخصية، وأيضا بالأسلوب الذي سيطوره هذا الأخير ويتميز به. وأنا أعتبر، بحسب ذائقتي التي تنتصر للكتابة الواقعية، أنه على كل كتابة روائية أن تحقق، في نظري المتواضع، لقارئها المفترض، ثلاثة أشياء أعتبرها مهمة جدا، وهي المتعة والفائدة، وأخيرا أن تتضمن خطابا واضحا ينتصر فيه الكاتب للإنسان.

وأظن أنه لا متعة، ولا فائدة، ولا خطاب في رواية بدون لغة سليمة وواضحة ومتعددة، تتنوع بحسب ما يقتضيه بناء الرواية وتقنيات السرد الروائي ومستويات شخوصها الاجتماعية والثقافية، وأيضا بحسب ما يكتسبه الكاتب نفسه من خصوصيات أسلوبية، هي في الأصل جزء من شخصيته وخياله وروحه.

وأنا لا أدعي لا بساطة ولا شعرية فيما أكتب، بل كل ما أحاوله هو أن أكون صادقا في إيصال خطاب وأحاسيس شخوصي الروائية باللغة التي تناسبهم وفي نسق نموها وتطورها، وأن يكون لي أسلوبي الخاص الذي يشبهني ويميزني عن باقي الكتاب الآخرين. ثم إنني لا أحب الرواية المثقلة بثرثرات وفذلكات لغوية لا تقول في الغالب شيئا.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي