منير أبو المعالي يكتب.. قلتم حملة انتخابية مبكرة

11 أبريل 2019 - 18:00

القاعدة في حياة الأحزاب أن كل يوم في عمرها لم تصطد فيه صوتا تحتاج إليه في الانتخابات، هو يوم ضائع. العمل الحزبي يفقد معناه إن لم يكن هناك حشد مستمر. أن تتصرف الأحزاب وكأننا في حملة انتخابية دائمة، ليس سوى سلوك من صميم ماهيتها، لأننا، على كل حال، قادرون، بفضل استطلاعات رأي محدودة، على فهم حجم أولئك المواطنين الذين يحسمون قرارهم الانتخابي قبل مدة طويلة من الشروع في تلك الحملات المدبرة وفقا للقانون؛ فهذه، في نهاية المطاف، ليست سوى احتفالات استعراضية غرضها الوحيد هو تذكير الناس بموعد التصويت.

لذلك، من الصعب علي إدراك مفهوم الحملات الانتخابية المبكرة كما تجري في الوقت الحالي بالبلاد. لم يقم حزب التجمع الوطني للأحرار، على سبيل المثال، بحملة مبكرة، لكنه يقوم بها الآن بحماسة. حزب الاستقلال أيضا يبدو نشطا على غير العادة في هذه الأوقات. إننا نتعلم الشك من سلوك السياسيين الذين عادة ما يكونون على يمين الدولة، وسيكون عسيرا، تبعا لذلك، تحديد ما تعنيه «مبكرة» في حملات الحشد القائمة.

اثنان لا يفعلان ذلك؛ حزبا العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، ليس لأنهما غير مكترثين بالقيام بحملة مبكرة، فالبيجيدي بارع في فعل ذلك، وربما هي مركز الثقل الذي يتغلب بواسطته على الآخرين. والبام كان يلعب اللعبة نفسها دون تردد، في سياق تكتيك ملء الملعب بالضرورة، لكنهما، على ما يظهر، عاجزان عن فعل ذلك. بشكل مبسط، ماذا يمكنهما أن يفعلا وهما غارقان في الاختناقات الداخلية؟ عليهما أن يتمهلا، أن يلتقطا الأنفاس، وأن يوحدا الصفوف. هذه ليست مشكلة لدى الأحرار، فهو لا يعرف ما يعنيه مفهوم الاختناق الداخلي، وتجربته الوحيدة بشأن الطريقة التي يجب أن تدار بها التمزقات الداخلية، كانت مختلقة على نحو كاريكاتوري في عام 2010. الأحرار لا يفهمون هذا الأسلوب، فيما «البام» يؤدي فاتورة قاعدته المختلطة. هذه ليست نقيصة، كلا، يمكن حزبا كالبام أن يطور ماكينته التنظيمية -كما الانتخابية- دون أي شعور بالحرج إزاء تمزقاته الداخلية. لكن هناك شرطا؛ يجب ألا يسمح بالشروخ أن تمتد وقتا طويلا. لسنتين، أنهكت التمايزات العميقة حول التصورات حزب العدالة والتنمية، وقد فشل حتى الآن في إظهار قدرة بطولية في الساحات العمومية، كما كان يفعل في الماضي. متأثرا، في الغالب، بتدهور الأداء الحكومي، والدعاية الكثيفة ضده، ثم الأدوار المثيرة للجدل التي يلعبها بنكيران، فإن سعي البيجيدي الوحيد حاليا هو إظهار أن بيته لم يتحطم أثاثه. ويمكن، دون شك، أن يلعب هذه اللعبة بمهارة، بسبب المشاعر المحبطة لدى قواعد الأحزاب التي تنافسه.

في بعض الحالات، لا تكون للحملات المبكرة أي آثار، يستطيع أخنوش أن يحشد الناس في الداخلة، ثم يتناول فطوره في محلبة بسيطة في الصويرة، لكن، إذا كنّا نصوب على 2021، فإننا لا نقدر على التحكم في ما يمكن أن يحدث. الاعتداد بالنفس، الذي شعر به أخنوش عقب تشكيله حكومة العثماني، لم يدم طويلا، فقد طوحت به حملة مقاطعة منتجاته البترولية سريعا. وها هو قد نهض الآن، مستفيدا من ضعف الحكومة نفسها التي شكلها، وأيضا من هوان البيجيدي كذلك. مستثمرا ثروة هائلة في الإعلام والتواصل والدعاية، يكسب أخنوش أفقا جديدا، وكأن المقاطعة لم تحدث منذ نصف عام فقط. وهذه فائدة إضافية لأن يكون عندك حزب مثل مقاولة، وأنت رب العمل.

نزار بركة، الرجل الخجول، لكن العملي والكفء، يحظى بالاحترام في حزبه، ليس بالضرورة لأنه يمتلك سجلا حافلا، ولكن أيضا بأخذ السياقات التي أتت به بعين الاعتبار. لكن، كيف يجب أن ندرك ديناميته كما هي الآن؟ سيكون يسيرا أن نفهم أن المحافظين عموما لديهم الكتلة الناخبة نفسها، وكل طرف منهم سيأخذ من الآخر كل مرة تغيرت فيها الظروف. بشكل منطقي، ينبغي لحزب الاستقلال أن يستقطب ناخبي البيجيدي، لكنه ليس حزبا محافظا فحسب، بل طور لنفسه جلدا آخر طيلة السنين التي قضاها في العمل؛ حزب جدير بثقة الدولة. وقد كاد في بعض الفترات يفقد ميزته واستقلاله، لكنه، في نهاية المطاف، مازال محافظا على جزء منهما. ينافس بركة، وفق المنطق المذكور، أحزاب الإدارة بشكل رئيس، وليس المحافظين الذين غلبت مشاكلهم مع الدولة أي شيء آخر. يمكن التحقق من ذلك بتتبع المناطق التي يتحرك فيها بركة دون ملل؛ إنها المناطق التي ليس للبيجيدي فيها مكاسب كبيرة. بيد أنه يحق لنا أن نطرح السؤال الآتي: كيف يمكن السماح لهؤلاء الجديرين بثقة الدولة أن يتنافسوا بهذه الطريقة، وبشكل مبكّر؟ يمكن أن تودي هذه الصيغة في إدارة الصراع الانتخابي إلى إضعافهم جميعا. هذه خسائر يجب توقعها، لأن الحرب الدائرة خلف مرايا التجمعات المذهلة، تنذر بأن لا أحد منهم سيربح شيئا.

غير أن هؤلاء مستمرون، فيما البيجيدي يدرس انكماشه على نار هادئة، يقودها طبيب نفسي متخصص في إثارة الأعصاب. سنرى إن كان ذلك سيستمر.

في رأيي، وكما يحدث في عالم الغاب، فإن ما يجري حاليا، ليس سوى محاولات للأطراف، التي تشعر بالقوة، لرسم سيطرتها على مناطق جديدة كان يحكمها أقوياء قدامى. استعراض إحمائي للقوة فحسب، وليس بالضرورة إعلانا للانتصار في الحرب.

كما يفعل السبع، يمكن الغازي الجديد أن يعلّم المنطقة التي يريد السيطرة عليها -بالبول على الأشجار التي تمثل حدودها، لكي تكون رائحته بمثابة رمز عن وجوده- لكنه، في نهاية المطاف، سيحتاج إلى معركة أخيرة بعدها ضد السبع الذي يحكم تلك المنطقة. قد يتغلب عليه، وقد يحدث أن يفر هاربا، فالأسد الذي يبدو ضعيفا، ليس دائما أسدا خاسرا.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي