في الحاجة إلى مصالحة وطنية

23 أبريل 2019 - 14:22

«كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن» مهاتما غاندي

لا بد للمرء أن يشعر، وهو يراقب تفاصيل السياسة في بلادنا، بنوع من التوتر السياسي، الذي بدأ يسود بين الجميع مؤخرا، وما  يصاحبه من توتر اقتصادي، ليس لأن الوضع الاقتصادي جد متأزم، فالأزمة والمغاربة مترادفان لا يفترقان، وكأن وجود الواحد رهين بوجود الآخر.

في العقد الأخير بدأت تظهر بورجوازية إدارية طفيلية، تعكس نوعا جديدا من الثراء السريع النابع من ريع المواقع الإدارية والسياسية، والذي أصبح يشكل نوعا من الاستفزاز السياسي والاقتصادي على السواء، فأمسينا نعيش حالتين متناقضتين: وضع سياسي واقتصادي متوتر بسبب الريع والفساد، مقابل شباب يعاني الحرمان والعطالة والفراغ، إلا أنه ماسك بين يديه هاتفا محمولا يطل به على العالم، ويقرأ من خلاله أخبار الوطن، ثم يقارن وضعه مع غيره، باحثا عن أجوبة لأسئلة تتناسل أمامه، فلا يجد جوابا، بل يراكم استفزازات بتناسل حجم الفضائح.

فالشباب الذين يراقبون ذلك الثراء السريع، الذي بات يعيشه البعض فجأة، يجدون أنفسهم لايزالون يعيشون الفقر البطيء، فينتجون ردود أفعال عنيفة أحيانا، تنطلق من كلمات، ثم جمل، وبعدها مواقف يتقاسمونها في الفضاء الأزرق، والتي قد تنتهي بقرارات، على المجتمع أن يتعامل معها، وعلى الدولة أن تحسِب لها، بعدما أصبح الاحتجاج في نظرهم، هو الحل الأمثل للرد على الاستفزاز.

لقد أصبح الثراء غير الشرعي يولد ويتناسل في بلدنا بشكل مثير للاستفزاز، يتغذى على الريع والفساد بسرعة فائقة، وفي مقابل هذا الوضع الموبوء، نجد حكومة تائهة في صراعاتها، وبرلمانا غارقا في عجزه، لا يعكس بتاتا اهتمامات وانشغالات هؤلاء الشباب، في مشهد سُريالي، زاده سوداوية سعي بعض القيادات الجديدة إلى فرض هيبتها السياسية السطحية والمفبركة على المجتمع، لأنها تملك مالا كثيرا، أو حظوة، ولكن لسوء الحظ تملك جهلا وعجرفة سياسيتين.

والمواطن يراقب كل شيء من شاشة هاتفه المحمول، يلاحظ  برلمانا فاشلا في بلورة حوار يتناسب واهتمامات الشباب والمجتمع، عاجزا عن احتضان خلافات وهموم الأمة، ليجد السياسي نفسه في مواجهة شارع فقد الثقة في المؤسسات التمثيلية، باحثا عن حلول أخرى، وهذا ما يخيف.

إن أخطر ما يتهدد الديمقراطية، هو أن يقوم الشارع مقام البرلمان في وظيفة احتضان مشاكل الأمة، خاصة وأن للبرلمان قواعده وحدوده، وللشارع حريته وإطلاقيته. لذلك، فاللحظة دقيقة جدا، تقتضي من الجميع، من سياسيين واقتصاديين، ضرورة التفكير العميق وبجد، في هذين الانحرافين السياسي والاقتصادي.

ففي الاقتصاد، يجب التفكير في إعادة توزيع الثروة، والقطع مع الفساد والريع، ودفع الرأسمال الوطني إلى الاستثمار بضمانات قانونية وضريبية، وخلق جو من التنافس الشريف، والحد من الهوس الضريبي، ومنح الأفضلية للطاقات الوطنية، ولمؤسساتها الاقتصادية، والتفكير في وضع قوانين لحماية وضمان سوق أفضل للرأسمال الوطني، وإعادة الثقة في اقتصادنا من خلال إعادة توجيهه نحو الإنتاج بعدالة ضريبية ومرونة إدارية، فأكبر خطر يتهدد الاقتصاد الوطني، هو الظلم الضريبي والعبث الإداري.

وفي السياسة، تقتضي الوضعية مصالحة وطنية جديدة، عبر الإعلان عن قرارات سياسية جريئة، تسعى إلى ترميم مؤسستي الحكومة والبرلمان، وإيجاد حل يدفع إلى نوع من الانفراج في الملفات الحقوقية والاجتماعية الحارقة، ولنا في تاريخ المغرب دروس في خلق مصالحات في عز الأزمات، فالمصالحة في نهاية المطاف ليست تعبيرا عن قوة وقدرة في إدارة الأزمات فقط، بل هي، كذلك، تعبير عن شعور وطني راق جدا.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي