خالد الناصري: ليس هناك ما يبرر الانتقاص من الأنشطة الاعتيادية للمسؤول السياسي في رمضان

06 مايو 2019 - 17:01

في جعبة كل واحد منا تمثل، تقييم أو فكرة عن الرجل السياسي أو المرأة المسؤولة، قد لا تكون بالضرورة حقيقية..أو كما يقول كارل ماركس « جذر الرجل هو الرجل نفسه».
«أخبار اليوم» تقتحم عوالم شخصيات سياسية، اعلامية، حزبية، حقوقية.. تقلدت سابقا أو لا زالت على رأس مسؤولياتها، من خلال سلسلة حوارات تقرب القارئ أكثر من شخصياتهم، طريقة تفكيرهم، ذكرياتهم، وممارساتهم خلال شهر رمضان..

كيف تمضي يومك خلال شهر رمضان؟
ليس هناك شيء جديد حقيقة، أنا أتجاوب مع ما تمليه العناصر المكونة لليوم الرمضاني، وإذا ما استبعدنا الإمساك عن تناول الطعام، يبقى أمام المرء يوم في كامل مكوناته ورتابته، لذلك، أحاول إلزام نفسي بالمحافظة على نمط اشتغالي الاعتيادي، بغض النظر عن التعب الذي يلاحقني أثناء الصوم، خاصة في بداية الشهر.

يختلف رمضان اليوم نوعا ما عن رمضان بالأمس. في نظرك، أين يكمن الفرق؟
في رأيي، النمط السعيد بالنسبة إلي هو «المدينة» أو المجال الحضري القديم (المدن القديمة والشعبية) التي كانت تشهد تكافلا اجتماعيا قويا بين السكان، حيث إن أجواء شهر رمضان تبدو في هذا المجال واضحة المعالم منذ أول إشراقة للصباح حتى المغرب والعشاء. اليوم، للأسف، لم يعد نمط المدينة الحديثة يسمح بذلك، وبالتالي، هذا هو الفرق الكبير، فالصائم ربما لا يشعر خلال اليوم الرمضاني وأثناء سريان الأنشطة اليومية بأننا في شهر مميز بكل مقوماته، حتى إنه بعد أذان المغرب يكون الواقع المعاش مغايرا بين المدينة المغربية العتيقة والحديثة.

كيف كانت طفولة السي خالد الناصيري؟ كيف كنت تمضي شهر رمضان خلال تلك الفترة؟
بكل تجرد، كان الأساس بالنسبة لي هو المواظبة على الاستيقاظ وقت السحور، كنت حريصا وبشدة على ذلك، حتى إنني كنت أحتج على الوالدة والوالد عندما كانا يقرران عدم إيقاظي بمبرر أنه ليس هناك داع لإزعاج نومي. أذكر أنني حين أستيقظ في الصباح وأدرك أن السحور فاتني، كنت أقيم الدنيا ولا أقعدها وأحتج بقوة.
هل بقيت هذه العادة مترسخة إلى حدود الساعة؟
تماما. مازلت مواظبا على هذا الأمر، الاستيقاظ فجرا وتناول وجبة السحور أمر خاص جدا.

بالنسبة إلى مائدة الفطور، من هو الشخص الذي تكون حريصا على أن يكون بجانبك دائما؟
مائدة الإفطار الرمضاني بالنسبة إلي ليست بما احتوت فوقها، بل بالاجتماع الأسري حولها والذي لا يقدر بمال أو جاه، أكون مسرورا جدا وأنا وسط العائلة، الأبناء، والأصدقاء والأحباب، وأنا حريص دائما على جلوس الجميع في الآن ذاته، فهذا يعطي صبغة مميزة للطقوس الرمضانية، وأعتبر أن الجلسة التي تضم جميع أعضاء العائلة تمنح نكهة متميزة لشهر رمضان، خاصة وقت تناول الفطور.

ذكرت الأصدقاء، هل لرفاق حزب التقدم والاشتراكية مكان أيضا حول مائدتك الرمضانية؟ وكيف تسير مسؤولياتك الحزبية في هذا الشهر؟
طبعا هم مرحب بهم دائما، أما بخصوص مسؤولياتي الحزبية في هذا الشهر، فأنا أعتبر أنه ليس هناك ما يبرر تغيير الأنشطة الاعتيادية للمناضل أو المسؤول السياسي خلال هذا الشهر، ربما يكون هناك شعور بنوع من التعب، خاصة خلال الأسبوع الأول، إلا أنه بعد مضي الأيام الأولى يتغير الأمر، ويعتاد الصائم شيئا فشيئا.

مع توالي المسؤوليات التي تقلدتها طيلة سنوات من مسيرتك السياسية والعملية، ألم تتأثر علاقتك بأسرتك؟ ألم تسرق منك السياسة أوقاتا ولحظات كان يفترض أن تمضيها إلى جانب أسرتك وأبنائك؟
في الحقيقة، طالما حاولت تحقيق هذا التوازن، لقد حاولت طيلة مساري أن أضع مسافة بين الحياة العائلية والحياة النضالية والحياة المهنية، وأظن أنني نجحت في تقسيم حياتي على مكونات هذا الثالوث، فقد نهجت سياسة البحث عن التوازنات الأساسية في حياتي.

أفهم من كلامك أن خالد الناصري ينهج التوازن نفسه داخل بيته، أقصد في ما يتعلق بأشغال البيت؟
طبعا، أتقاسم جميع المهام مع أسرتي، بما فيها المطبخ، ولا أرى عيبا في ذلك، فمنذ نشأتي كنت دائما أحاول التعرف على خبايا الطبخ المغربي، وأطرح دائما الأسئلة حول مكونات هذا الطعام أو ذاك، وأنا اليوم أعرف بعض أسرار المطبخ المغربي، ولا أخفيك أنه حتى إن كنت في كثير من الحالات مضطرا إلى التغيب عن البيت لالتزامات سياسية، أحاول أن أحافظ على حيزي الحيوي في هذا السياق، وأخلع عني عباءة المسؤوليات السياسية وأكون داخل بيتي الزوج الأب والابن.

ما هي الأمور التي كنت تريد تحقيقها لكن السياسة منعتك أو أبعدتك عنها؟
سرقت مني السياسة وقتا كبيرا، كان يفترض أن أخصصه للبيت ولتربية الأبناء. صحيح أنني كنت حريصا على متابعة ما يفعلونه يوميا، لكنني أقول إن لله وفقني لهذا لكي أقدم لهم ما هو أساسي لمعرفة القيم الإنسانية التي لا مستقبل لأي إنسان دونها.

كيف هي علاقتك بالكتب؟ هل أنت من المواظبين على القراءة خلال شهر رمضان؟
ليس بالضرورة، لأن القراءة في شهر رمضان متعبة، فأنا من الأشخاص المنغمسين في القراءة، ممن يغوصون في الأغوار التي تحتويها هذه المؤلفات، وأبحث عن هدف الكاتب، وما الذي يريد قوله، وهو ما يجعلني في حوار دائم مع الكاتب، وهذا الحوار بمقوماته متعب في هذا الشهر.
ما هي نوعية الكتب التي تفضل الاطلاع عليها في الأيام العادية؟
قرأت العشرات أو المئات من الكتب طيلة حياتي، خاصة عندما كنت أحضر أطروحة الدكتوراة، وتلك الكمية التي قرأتها خلال هذه الفترة لم يسبق أن قرأتها قبل أو بعد ذلك، في كل القضايا التي تهم العلوم القانونية والعلوم السياسية والتاريخ والفلسفة، وكلها قضايا تشغل بالي وأتابعها باهتمام.

المحاماة، المسؤوليات الحزبية والحقوقية، الوزارة، وأخيرا منصب سفير في المملكة الأردنية، تعددت المناصب التي تقلدتها، فما الذي غيرته في خالد الناصيري الإنسان؟
الاحتكاك بالآخر وتحمل المسؤولية، فمنذ شبابي وأنا أمنح مصطلح المسؤولية كل ما يستحقه من عناية في محاولة مني للإلمام بأبعادها الحقيقية، ووصلت إلى قناعة راسخة مفادها أن أهم شيء بالنسبة إلي هو تحمل المسؤولية إلى النهابة في ما أنا مطالب به من واجبات.

كيف هي استعداداتك للانتقال إلى الأردن بصفتك سفيرا للمغرب؟
أنا مستعد بشكل جيد، فهي محطة جديدة في مساري السياسي، وسأحاول أن أكون أهلا للثقة التي وضعها على عاتقي الملك محمد السادس، وأن أكون في مستوى المهام الموكلة إلي بصفتي سفيرا لجلالته. لقد زرت الأردن مرتين في حياتي، وخلال تجولي في شوارع العاصمة عمان بالخصوص جذبتني طبيعته، وأيضا طبيعة مواطنيه بصفتي زائرا، فالمواطن في هذا البلد متميز بالانفتاح على الآخر، ويشعر بكينونته المتميزة وبمسؤولية عظيمة، لأنه في قلب العاصفة الشرق-أوسطية، واعتبر أن ذلك يجعل نكهة الحياة في الأردن مختلفة عن غيرها، وما هو أساسي بالنسبة إلي هو أن الشعب الأردني منفتح ومضياف.

كيف هي نظرتك إلى الحياة اليوم؟
هذا سؤال فلسفي محير، الحياة اليوم مثل الأمس، والكرة الأرضية تدور حول محورها، والفصول تتعاقب، لكن الحياة الاجتماعية تكتسي طابعا من التعقيدات تجعلنا نمارس حياتنا الطبيعية اليومية في أجواء تتسم بمزيد من الصعوبات مقارنة بالماضي، وهذا ما يفرض علينا اليقظة المستمرة، لأن ما نشاهده اليوم لم يكن مألوفا بالنسبة إلينا، ولم نكن ننتظره، وربما ما سيأتي بعد 15 سنة سيكون أكثر غرابة. هذه سنة الحياة التي وجب التعامل معها بشيء من الانفتاح والقبول.

هل توجد هوايات خاصة تمارسها بعيدا عن السياسية؟
لا، أبدا، ليست لدي هواية، أنا أستثمر وقتي في العمل ومتابعة الأبناء، وأيضا أحرص على متابعة الأخبار السياسية الوطنية والدولية.

طيلة الحوار لمست فيك الكثير من الجدية والالتزام والصرامة، أليس هناك مجال للصخب واللحظات العفوية في حياة السي الناصري؟
(يضحك) انطباعك هذا سيجعل القارئ يفهم أني مغرور، والعكس هو الصحيح، الحقيقة أني لست بعيدا عن ارتكاب الأخطاء، غير أنني متحكم في خيوط حياتي ومسؤولياتي.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي