رجال حول الملك.. عبد الرحيم بوعبيد القيادي الاتحادي البارز -الحلقة7

14 مايو 2019 - 16:01

اعتمد السلاطين المغاربة عبر التاريخ في تسيير شؤون الدولة، على ثلة من الرجال، إما لانتمائهم العائلي أو لكفاءتهم وولائهم.. وهكذا فقد تميز تاريخ المغرب المعاصر بظهور هؤلاء الرجالات حول الملك، الذين تركوا بصماتهم على مسار الحياة السياسية ببلادنا، كما كان لهم تأثير فعلي على توجيه بوصلتها.. كتاب “رجال حول الملك”، لمؤلفه محمد الأمين أزروال، يرسم بروفيلات للعديد من هؤلاء الشخصيات التي اخترنا نشر ملخصات عنها.

رأى النور بمدينة سلا سنة 1920 وسط أسرة شعبية بسيطة، وانغمس مبكرا في المعترك السياسي وهو ابن 16 سنة، حيث قاد مظاهرة ضد سلطات الحماية بالمدينة، وهو ما يزال تلميذا، كما كان من أصغر الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال لـ11 يناير 1944، وشارك على إثر ذلك في مظاهرة بسلا التي عرفت أحداثا دامية اعتقل خلالها ونجا بأعجوبة من حبل المشنقة، بعد أن وجهت له سلطات الحماية تهمة قتل جندي فرنسي، وقضى 18 شهرا في سجون: سلا والعادر وغبيلة، كما كان قبل ذلك من المؤسسين لحزب الاستقلال.

اشتغل عبد الرحيم، كمعلم بإحدى المدارس بفاس بعد حصوله على الشهادة الثانوية، ثم حصل على شهادة الباكالوريا كمرشح حر، ليلتحق سنة 1946 بباريس لمتابعة دراسته الجامعية، حيث اغتنم فرصة وجوده بالعاصمة الفرنسية، للقيام بنشاط سياسي مكثف وسط الطلبة والعمال، كممثل للحركة الوطنية، كما ترأس الوفد الوطني لدى الأمم المتحدة عندما كان مركزها بفرنسا، وعندما أنهي عبد الرحيم دراسته الجامعية سنة 1949، عاد إلى المغرب لمواصلة نشاطه السياسي وممارسة مهنة المحاماة، وكان من أصغر أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، وهكذا أسندت له مهمة الإشراف على جريدة “الاستقلال” الأسبوعية الناطقة بالفرنسية التي كان يصدرها الحزب، والتي استمر في الإشراف عليها إلى غاية 1952، حيث اعتقل من جديد ونفي إلى تنالت بسوس، بعدما كان من الذين اتخذوا مبادرة الدعوة إلى إضراب وطني عام، تضامنا مع الطبقة العاملة بتونس إثر اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد. كان بمثابة دينامو حزب الاستقلال، وهو الذي أعاد تنظيمه وأعطاه إشعاعا دوليا بتحركاته واتصالاته، وكان وراء انعقاد مؤتمر مصغر للحزب بالعاصمة الإسبانية مدريد صيف 1955، تولى خلاله شرح آخر التطورات التي عرفتها الاتصالات المغربية الفرنسية، بالإضافة إلى ذلك كان من المؤسسين الرئيسيين للاتحاد المغربي للشغل، سعيا منه إلى وضع حد لأي نوع من أنواع التبعية لفرنسا، وقطع كل الصلات معها، علما أن الطبقة العاملة كانت زمنها منضوية تحت لواء المنظمة النقابية الفرنسية “CGT”.

وكان أول منصب شغله في حكومة البكاي مباشرة بعد الاستقلال، هو منصب وزير الدولة المكلف بالتفاوض مع كل من فرنسا وإسبانيا، بشأن الاعتراف باستقلال المغرب ووحدة ترابه، كما كان هو وولي العهد الأمير مولاي الحسن هما اللذان هيئا الرد المغربي على اقتراحات “الكي دورسي” بشأن البيان المشترك الذي يحدد العلاقات المغربية الفرنسية في العهد الجديد، قبل أن يعين كأول سفير مغربي بباريس محتفظا في نفس الوقت بمنصب الوزير المكلف بالمفاوضات.

تقلد عبد الرحيم منصب وزير الاقتصاد والمالية ونائب رئيس الوزراء، في الحكومة التي ترأسها مولاي عبد الله إبراهيم سنة 1958، ورغم أن هذه الحكومة لم تعمر طويلا، إذ لم تتجاوز مدتها عامين، فقد استطاعت رغم قصر المدة أن تحقق إنجازات ضخمة، فهي التي رسمت معالم الطريق لدولة عصرية، كما أنها هي التي وضعت اللبنات الأولى لاقتصاد وطني متحرر من التبعية لفرنسا، وذلك اعتمادا على الكفاءات المغربية الصرفة، وبعد تأسيس بنك المغرب وإصدار العملة الوطنية، اهتم عبد الرحيم بباقي القطاعات الاقتصادية الحيوية الأخرى، كقطاع الفوسفاط.

كان رجلا أنيقا في مظهره وفكره، معتزا بشخصيته ولعب دورا رئيسا في المفاوضات مع فرنسا، بحكم ما وهب من ذكاء وفطنة، أهلاه لربط علاقات مع شخصيات سياسية فرنسية بارزة، في مقدمتهم السياسي الفرنسي الكبير “إدغار فور” الذي كان صديقا شخصيا له ولعائلته، وهو ما ساعد على إنجاح مهمته كمفاوض، يفهم جيدا نوعية وعقلية الأشخاص الذين يفاوضهم، حيث أفضت كما هو معلوم المفاوضات التي شارك فيها إلى عودة السلطان الشرعي من المنفى، ثم إلى توقيع وثيقة إنهاء عقد الحماية 2 مارس 1956، وهكذا استطاع بفضل حنكته السياسية، وبتنسيق مع ولي العهد الأمير مولاي الحسن، أن يذلل كل الصعوبات التي اعترضت طريق المفاوضات التي جرت أطوارها بـ “إكس ليبان”.

ورغم مغادرته الحكومة في 1960، فقد واصل من موقعه في المعارضة، المشاركة في توجيه الأحداث، فهو الذي كان وراء تنظيم مظاهرات المطالبة بإجلاء القوات الفرنسية من قواعدها في المغرب، معتبرا وجودها استمرارا للوجود الاستعماري، حيث رفض الاقتراح الذي تقدمت به فرنسا على أن تستمر هذه القواعد كمدارس للتكوين العسكري إلى نهاية 1963.

كما كرس حياته كمناضل وقائد سياسي وكمحام، مدافعا عن المعتقلين في السجون أيام سنوات الرصاص، وفي هذا السياق، رافع في عدد من المحاكمات التي جرت أطوارها سنوات السبعينات والثمانينات، ولعل أهمها محاكمة مراكش 1972 التي تابعها عن قرب الاشتراكي الفرنسي “فرانسوا ميتران”، الذي أصبح رئيسا لفرنسا في الثمانينات، و”ميشيل روكار” الذي شغل منصب وزير الاقتصاد على عهد الرئيس ميتران، وقد كانا صديقين لعبد الرحيم.

وفي جوابه عن المذكرة الملكية لسنة 1972 الموجهة للأحزاب بعد المحاولتين الانقلابيتين، اعتبر أن ما حدث لم يكن مجرد حادثة سير، بل إن ما حصل في نظره، كان نتيجة لغياب الديمقراطية، لذلك وجب- كما يقول- تكريس حياة ديمقراطية التي هي صمام الأمان من كل الأخطار، والكفيلة وحدها بقطع الطريق مستقبلا عن أي مغامرة. وعلى مستوى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي ما فتئ يشغل مهمة تسييره، فقد قرر سنة 1975 تغيير اسمه ليتحول إلى الاتحاد الاشتراكي، واستغنى عن القيادات التي كانت تعيش في المنفى، وهو تحول واقعي جنب الحزب أي تورط في مواقف مملاة عليه من الخارج، لاسيما بعد أحداث مولاي بوعزة 1973 التي تورطت فيها شخصيات كانت تعيش في المنفى محسوبة على الحزب.

بالرغم من أن موقف عبد الرحيم من قضية الصحراء، كان موقفا ثوريا، حيث كان يؤمن بتحريرها بواسطة السلاح، وذلك بتنظيم ودعم أبناء الصحراء الوحدويين بالسلاح والمال، في إطار حرب التحرير، إلا أنه كان من الذين ساهموا بآرائهم كرجل قانون في الدفاع أمام محكمة لاهاي، عن مغربية الصحراء، كما كان من المبعوثين إلى عدد من الدول الاشتراكية للتعريف بقضية الصحراء والدفاع عن موقف المغرب، كما تابع أيضا مناقشة ملف الصحراء في الأمم المتحدة، وأمام اللجنة الرابعة التي كان أساسا ضد الموقف الرسمي من عرض الملف أمام أنظارها. كما رفض قبول الاستفتاء في الصحراء، وربطه بالاستفتاء الشعبي، وهو الموقف الذي كلفه غاليا، حيث قضى سنة كاملة في المنفى تحت الإقامة المحروسة بميسور، بعد أن صدر عليه الحكم بسنة سجنا رفقة محمد اليازغي ولحبابي ومحمد منصور، وذلك على إثر صدور بلاغ عن المكتب السياسي ينتقد فيه قبول الملك مبدأ الاستفتاء في قمة نيروبي 1981 .

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي