بنزين: فرنسا لا يمكنها تغيير دين الاسلام

19 مايو 2019 - 06:00

أنت واحد من ممثلي الإسلام الليبرالي. هل يمكن أن تشرح لنا فيما تتجلى هذه القراءة للإسلام؟

يحاول الإسلام الليبرالي أخذ بعين الاعتبار القضايا التي تطرحها الحداثة. وفي الوقت عينه، يُخضِع الإسلام الليبرالي القرآن والتقاليد للتحليل النقدي، لا سيما عبر مجهر العلوم الإنسانية، كما يقترح قراءات أخرى. في النهاية، يُقدر الإسلام الليبرالي حقوق الإنسان والمساواة بين الرجال والنساء، والتعددية الدينية، وحرية المعتقد، وكل الأسئلة التي تُطرحُ على المؤمن الذي يريد أن يعيش دينه في مطلع القرن الحادي والعشرين.

كيف يجب قراءة الكتب المقدسة الإسلامية للوصول إلى تصور للدين من هذا النوع؟

أولا، يجب أن نحاول تخصيص الكثير من الجهد لفهم القرآن، لا سيما سياقه الأول. عندما تُنْجزُ دراسات تاريخية حول القرآن، حول الحقبة الأولى التي يطلق عليها الإسلامي البدائي، يُكتشف أنها فترة غير واضحة. القرآن هو أول كتاب عربي كبير، ولدراسة تلك الفترة لا نملك غير هذا المصدر (القرآن). إضافة إلى ذلك، فالتقاليد الإسلامية تشير إلى أن القرآن صيغ بعد قرنين من نزوله. وكان المجتمع العراقي، ببغداد، هو المكلف بصياغته منذ سنة 750 ميلادية، ومع ذلك، ووفقا للتقاليد الإسلامية، نزل القرآن ما بين 610 و632 ميلادية. ما يعني أنه ما بين 623 و750 ميلادية لم نحقق أي تقدم كبير فيما يخص التوثيق والآداب. ساد صمت كلي. عندما ندرك كل هذا، يمكننا البدء في العمل على النصوص. إنه عمل ضخم.

ردد الرئيس الفرنسي، إمانويل ماكرون، في مناسبات عدة أنه يريد التأسيس لإسلام فرنسي. غير أن الباحثة المتخصصة في الشؤون الإسلامية بفرنسا، رزيقة عدناني، اعتبرته مقترحا طوباويا، وأنه بعيد كل البعد عن أن يكون «حلا للسلفية والتطرف»، كما جاء على لسانها في العديد من وسائل الإعلام. ما رأيك أنت؟

إذا تتبعنا كيفية تطور الإسلام تاريخيا، نلاحظ أن طريقة عيش الإسلام، في باكستان والسنغال وإيران والعراق، تختلف من قُطرٍ إلى آخر. لهذا، لا أرى أنه مقترح طوباوي، لأن الإسلام كدين يندرج في إطار ثقافة، وهذه الثقافة تسائل الإسلام. إنها جدلية دائمة، مثلا طريقة عيش الإسلام في بلجيكا مختلفة جدا عن فرنسا، لأن مبدأ العلمانية غير موجود في بلجيكا. عندما يتحدث ماكرون عن الإسلام في فرنسا، فإنه يشير إلى مسألة تنظيم العبادة. أي، تكوين الأئمة، وهذا أمر مهم جدا، أو تشييد المساجد أو الحج. السؤال الذي يجب طرحه هو كيفية مأسسة الدين لتحقيق الشفافية، خاصة فيما يتعلق بالتمويل. الرئيس ماكرون لا يُلَمحُ إلى تغيير لاهوتي أو ديني، لأن الدولة لا تستطيع التعامل مع هذين الجانبين.

كما ذكرت للتو، فرنسا دولة علمانية، لديها قانون سُنّ سنة 1905 يفصل الكنيسة عن الدولية. الآن يعيش 6 ملايين مسلم بفرنسا. كيف يستطع هؤلاء الاندماج والتعايش في بلد فَرَضَ قيودًا على الدين؟ 

أكبر مشكل يطرحه تنظيم الإسلام هو أن تياراته المختلفة تجد صعوبة في التحاور فيما بينها. عندما يرفض الأشخاص التحاور فيما بينهم، من الصعب أن يَنْتظِموا. ورغم الفصل الذي سنه قانون 1905، إلا أن الدولة في حاجة إلى محاوَرين في بعض القضايا، مثل الأخلاق وتنظيم العبادات. والإشكالية هي شرعية المحاوَرين. أعتقد أنه، بدل البدء بمؤسسة وطنية، يتعين علينا أن نبدأ من المؤسسات المحلية، ومن الإدارات، جهة بجهة، في أفق إنشاء مؤسسة تمثل كل المسلمين بدون استثناء.

رأيت النور في المغرب وبعدها، في سن الطفولة، انتقلت إلى العيش رفقة أسرتك بفرنسا. ترعرعت في مدينة «تراب»، التي خرج منها 78 شابا للالتحاق بصفوف التنظيم الإرهابي داعش. الكثير منهم كانوا شبابا تربوا كما لو أنهم فرنسيون. كيف يمكنك تفسير هذه الظاهرة انطلاقا من تجربتك؟

«تراب» مدينة يبلغ تعداد سكانها حوالي 32 ألف نسمة. في هذا المدينة، هناك شباب نجحوا، لكن مجموعة منهم سافرت إلى سوريا. ويلاحظ، كذلك، أن عدد الملتحقين بداعش يرتفع، لأنهم في الغالب الأعم يتحدرون من العائلة عينها. هنا يجب الاعتراف أنه في «تراب» كانت هناك بيئة مساعدة على حصول شيء من هذا القبيل: الهجرة إلى فرنسا بعد الحرب الأهلية الجزائرية، وحضور الإخوان المسلمين، والسلفيين… عندما كان السفر إلى سوريا ممكنا، كان يعتقد بعض الشباب أنها فرصتهم للعيش فيما يسمى «الإسلام الحقيقي».  كانوا يعتقدون  أنه في فرنسا لا يمكن أن تكون مسلماً على الإطلاق. ولهذا السبب قرروا الالتحاق بداعش.

اشتغلتُ على خطاب داعش، انطلاقا من النصوص والفيديوهات التي ينشرها. كما كنت أتردد خلال 18 شهرا على سجون فرنسية لإجراء مقابلات مع شباب عادوا من سوريا والعراق. أعتقد أنهم سافروا إلى بؤر التوتر تحت تأثير أربعة أحلام أو وعود داعشية. أولا، وحدة العالم الإسلامي، الذي بمقدوره مجابهة الغرب، وباسترجاع حدود ما قبل الاستعمار. ثانيا، استرجاع الكرامة. كتاب «رسائل إلى نور»، وهو عبارة عن رسائل متبادلة بين أب وابنته التحقت بداعش. إذ تأتي لحظة تقول فيها الشابة: «يمكننا جبر الظلم، ولكن الإهانة لا تُعالج». بعض الشباب يشعر أن داعش يعيد إليهم الكرامة والاعتزاز بالذات. ثالثا، الحلم الموعود المتمثل في العودة إلى النقاء/الصفاء، إذ يعتقد المستقطَبِين أنهم كانوا بعيدين عن الإسلام الحقيقي، ويعتبرون أن الحكومات في الدول الإسلامية لا تطبق الإسلامي الحقيقي.  الرغبة في النقاء يقود إلى الرغبة في التطهير، وعليه يصبح العنف فعلا أخلاقيا. أخيرا، الحلم الداعشي الرابع، هو إعطاء معنى لحيواتهم (المغرر بهم)، بحيث منحهم التنظيم مجموعة من الأدوات للقيام بثورة دينية وسياسية.

في «رسائل إلى نور»، تكتب الشابة التي التحقت بداعش لأبيها قائلة: «أدركت عبثية حياتي وفراغها في السابق». هناك باحثون يعتبرون أن الإرهاب هو نتيجة للعدمية. هل تتفق مع هذا الطرح؟

لا. الجهادية لا تعني العدمية. الجهادية حركة ثورية تريد تغيير العالم. السواد الأعظم من الملتحقين بسوريا لا يبحثون عن الموت، بل يريدون أن يعيشوا تجربتهم الخاصة. عندما يلتحقون بداعش، ينتابهم انطباع أنهم سيشاركون في ثورة، وأن حيواتهم ستكون مفيدة.

تحاورتَ مع شباب تحولوا إلى إرهابيين، والآن عادوا إلى فرنسا. هل هناك نقاش حول  المسؤوليات؛ أي من المسؤول عما حدث وما وصلنا إليه: الدول، أم المجتمع، أم الدين، أم الشباب نفسه غير المسؤول وغير المهتم بالبلد الذي ترعرع فيه. ما رأيك؟

إنها مسؤولية الجميع. فشِلَ المجتمع، لأننا نتحدث عن شبان وشابات ترعرعوا فيه. قرار أبناء المجتمع الفرنسي السفر إلى بؤر التوتر، إن دل على شيء إنما يدل على فشلنا جميعا في شيء ما. أعتقد أن الأمر يتعلق بالطوباوية والأحلام والآمال. يشكك الكثير من الشباب في المجتمع الفرنسي وفي قدرته على جعلهم يعيشون عيشا كريما. علاوة على ذلك، هو فشل للإسلام، كذلك. لم نستطع تعطيل التأويلات القاتلة. كما أن الزعماء المسلمين الذين لم يستطيعوا مواجهة إيديولوجية داعش هم مسؤولون، كذلك. الإيديولوجية الداعشية هي نوع من الإسلام، رغم أن لا علاقة لها بالإسلام الذي نعرفه والذي نحبه؛ داعش جزء، أيضا، من هذا الدين، والذي يمكن أن تكون له قراءة عنيفة.

ماذا كان رد كل أولئك الشباب الذين تحاورت معهم في السجون؟

تقريبا كل ما سردته في كتاب «رسالة إلى نور»، هو تحصيل حاصل لتلك الحوارات. ففي السجن تحاورت مع أشخاص شعلة من الفكر، ولديهم دبلومات، ولا يعانون من أي مشاكل نفسية أو صعوبات لفرض أنفسهم والاندماج في المجتمع. لكنهم التحقوا بداعش لأن لديها إيديولوجية قادرة على استقطاب الشباب. بعض هؤلاء لم يندم على الالتحاق بتنظيم داعش، لأنه يعتقد أن الذي دفعه إلى ذلك هو مبدأ مثالي. لهذا ليس هناك بروفايل واحد لهؤلاء الشباب.

في فرنسا، هناك نقاش بخصوص كيفية التعامل مع قضية الشباب الذين التحقوا بداعش ويرغبون اليوم في العودة بعد سقوط التنظيم في سوريا. لكن وزير الداخلية، كريستوف كاستانير، أدلى بتصريحات متناقضة في هذا الموضوع. كيف تنظر أنت الباحث المتخصص إلى هذه القضية؟

أعتقد أن مجتمعنا لديه القدرة على استقبالهم واحتضانهم، لذلك يجب أن يعودوا، وأن يحاكموا دون الاستفادة من ظروف التخفيف، لأنه في كل الأحوال، إنهاء عقوبتهم في بؤر التوتر لن يمنعهم من العودة إلى فرنسا في المستقبل. لذلك لا يجب أن يفرض ما هو عاطفي، المتمثل في خوف السكان،  نفسه على ما هو سياسي.

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي