رجال حول الملك.. علي يعتة الشيوعي المؤمن -الحلقة11

20 مايو 2019 - 16:00

اعتمد السلاطين المغاربة عبر التاريخ في تسيير شؤون الدولة، على ثلة من الرجال، إما لانتمائهم العائلي أو لكفاءتهم وولائهم.. وهكذا فقد تميز تاريخ المغرب المعاصر بظهور هؤلاء الرجالات حول الملك، الذين تركوا بصماتهم على مسار الحياة السياسية ببلادنا، كما كان لهم تأثير فعلي على توجيه بوصلتها.. كتاب “رجال حول الملك”، لمؤلفه محمد الأمين أزروال، يرسم بروفيلات للعديد من هؤلاء الشخصيات التي اخترنا نشر ملخصات عنها.

اجتمع في شخص علي يعتة متناقضان، فهو من جهة اعتنق الشيوعية الماركسية فكرا وممارسة منذ أربعينيات القرن الماضي، أيام كان لا يضم سوى نخبة من المثقفين الفرنسيين المقيمين في المغرب. ومن جهة ثانية فهو فقيه درس الفقه والشريعة على يد شيوخ كبار، أمثال العالم عبد لله كنون، كما حفظ القران الكريم في الكتاب على يد فقهاء كبار، وكان في نفس الوقت من التلاميذ المغاربة القلائل الذين تلقوا دراستهم الابتدائية في مدرسة فرنسية، لم يكن يدرس بها سوى أبناء الفرنسيين.

ازداد بمدينة طنجة سنة 1920 من والد ينتمي إلى منطقة القبائل الجزائرية، اختار الاستقرار بطنجة هربا من مضايقات الاحتلال الفرنسي، بعد أن أنهى دراسة القانون بمصر، ومن أم ريفية، وكان والد الطفل يعتة قد استقر بمدينة البوغاز سنة 1911، أي قبل أن تتحول طنجة إلى مدينة دولية خاضعة لنظام التسيير المشترك بين الإدارة الفرنسية والإسبانية والإنجليزية، وقبل أن ينتقل والده إلى الدار البيضاء سنوات الثلاثينيات، ويلتحق التلميذ علي يعتة للدراسة بثانوية اليوطي.

كان يعتة وفيا للشيوعية وكان يرى أن الإيمان بها لا يتناقض، مع الإيمان بالدين الإسلامي، وفي هذا الصدد صرح في إحدى المرات، أنه سال ذات مرة العالم علال الفاسي عن توافق العقيدة الشيوعية مع العقيدة الإسلامية، وأفتى له أن الإيمان بالشيوعية لا يتناقض مع الإيمان بالإسلام، ما يعني أنه بإمكان المسلم أن يكون شيوعيا ولا حرج في ذلك.

وكان الانتساب للحزب الشيوعي سنوات الأربعينيات من قبيل المغامرة داخل بيئة محافظة ومسلمة مثل البيئة المغربية، في وقت كان فيه مجرد التلفظ باسم الشيوعية، يعتبر إلحادا وخروجا عن الملة، ومع ذلك تمادى يعتة في المخاطرة بمستقبله السياسي، بمواصلة العمل داخل حزب غير مرغوب فيه من طرف الجميع. فقد تعرض قبل الاستقلال للعديد من المضايقات، من طرف المستعمر الفرنسي، كما عرف السجون والمنافي لأنه تخندق، انسجاما مع مبادئ الماركسية اللينينية، في خندق مناهضة الإمبريالية والاستعمار، انطلاقا من قناعاته كمناضل شيوعي، وبالتالي فقد اعتبره الفرنسيون عدوا لهم إيديولوجيا، ومن ثم فقد بالغوا في تضييق الخناق عليه، مما اضطره مرارا إلى الهروب والإفلات من يدهم، كلما داهموا بين الحين والآخر اجتماعات الحزب، حيث كان يلجأ إلى العمل السري، كما كان يقوم متنكرا بمهام حزبية داخل وخارج المغرب، إلا أنه غالبا ما كان يفتضح أمره ويساق إلى السجن، وبالتالي يتم إصدار أحكام قاسية في حقه، إلا أنه سرعان ما كان يستأنف عمله السياسي.

تهمة الشيوعية كعقيدة إلحادية، ظلت تطارده حتى بعد الاستقلال، حيث ظل ممنوعا من الإقامة، إذ بمجرد ما حل بمدينة طنجة، ألقي عليه القبض من طرف رجال الأمن، بحجة خرقه قرار النفي الذي كان ساريا عليه منذ عهد الاستعمار، إلا أن المحكمة برأته وسمح له بالدخول إلى المغرب، كان ذلك سنة 1958، وبعد ذلك بدأ مسلسل جديد بينه وبين السلطات المغربية التي لم تكن تنظر بعين الرضا، لحزب تابع للاتحاد السوفياتي الذي كان يعمل من أجل استقطاب الدول النامية، ودفعها بمختلف الوسائل لتبنى النظام الاشتراكي، وبالتالي فرض هيمنته عليها والسير في فلكه، كما وقع لبعض الدول العربية والإفريقية التي اختارت إما طوعا أو كرها، النظام الشمولي، أي نظام الحزب الوحيد والاقتصاد الموجه، بينما المغرب اختار نظام التعددية وحرية المبادرة الفردية.

وبعد أن أصبح علي يعتة زعيمه الأوحد وهو الذي كان مجرد عضو في القيادة التي كانت على عهد الحماية، حكرا على الفرنسيين وحدهم، باعتباره فرعا تابعا للحزب الشيوعي الفرنسي الأم بزعامة “جورج مارشي”، بدأ علي يعتة يتخذ شيئا فشيئا مسافة من القيادة الفرنسية، بسبب موقفها من مطامح المغاربة في الاستقلال عن فرنسا، وتخاذلها في تأييد هذه المطامح، وحيث أن موسكو كانت هي كعبة الشيوعية العالمية يومئذ، فقد ربط علاقات مباشرة معها، منذ أن انتدب من طرف الحزب، لتمثيله في آخر مؤتمر للحزب الشيوعي السوفياتي ترأسه “ستالين” سنة 1952، حيث فضل التعامل مع الأصل بدل الفرع، وكان يعتقد أن إنهاء تبعية الحزب لفرنسا، سوف تكون بمثابة جواز المرور له، للعمل بكامل الحرية داخل المغرب المستقل، إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفينة يعتة، حيث أقدمت السلطات الإدارية المغربية، على حظر الحزب بحجة أن مبادئه مخالفة للشريعة الإسلامية، وتم حل الحزب رسميا سنة 1960، مما اضطر معه إلى اللجوء إلى العمل السري من جديد، وإلى التمويه على السلطات، وذلك بتغيير اسم الحزب، ليصبح بعد المؤتمر الثالث الذي عقد سريا بالدار البيضاء سنة 1968، يحمل اسم حزب “التحرر والاشتراكية”، حيث واصل عمله تحت هذه المظلة، قبل أن يتحول إلى حزب “التقدم والاشتراكية”، كان ذلك سنة 1974، ثم هبت نسائم الانفراج السياسي، بمناسبة إعلان الملك عن رغبته في تحرير الصحراء، حيث قام بإيفاد رؤساء الأحزاب مبعوثين إلى عدد من العواصم العالمية، لشرح ملف القضية، وكانت دول المعسكر الاشتراكي من نصيب الزعيم يعتة، الذي قام بإجراء اتصالات مكثفة في هذا السياق في دول أوروبا الشرقية وكوبا بأمريكا اللاتينية، كما تابع في نيويورك ضمن الوفد المغربي مناقشة قضية الصحراء من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأجرى على هامش أشغال الجمعية، اتصالاته مع عدد من بعثات الدول الاشتراكية داخل أروقة الأمم المتحدة.

وبالموازاة مع النشاط الدبلوماسي للزعيم يعتة، ساهم بقلمه في الحملات الإعلامية، من خلال منبر الحزب الذي أضحى يحمل اسم “البيان” كرمز للبيان الشيوعي “لماركس”، كما شارك في المسيرة الخضراء، وبذلك وقع التطبيع مع الحزب الذي أصبح يلعب دوره السياسي، إلى جانب الأحزاب الوطنية الأخرى، كما كان عضوا في الكتلة الديمقراطية التي ما فتئت تطالب بدمقرطة الحياة السياسية، وتقوم بإرسال مذكرات في هذا الشأن إلى الديوان الملكي.

وشارك حزب يعتة في انتخابات 1977 التي فاز بها اللامنتمون الذين شكلوا التجمع الوطني للأحرار، ولم يفز من حزب يعتة “التقدم والاشتراكية” سوى مرشح واحد، هو الزعيم يعتة نفسه، ممثلا لإحدى الدوائر الشعبية بالدار البيضاء (المدينة القديمة)، وأصبح عضوا فريدا في غرفة مجلس النواب ولا فريق برلماني له، لكنه كان مفردا بصيغة الجمع، فقد ملأ وحده بتدخلاته الرصينة، الساحة البرلمانية ولازال الجميع يتذكر تدخلاته. وفي اقتراع 1982 فاز عن الحزب إلى جانب يعتة، مولاي إسماعيل العلوي، وبذلك أصبح الحزب ممثلا في البرلمان بنائبين. وفي غشت 1997، مع بداية مفاوضات التناوب، توفي يعتة إثر دهسه في حادث غامض بعدما صدمته سيارة بقوة بينما كان ينزل من سيارته متوجها إلى مقر جريدة الحزب في الدار البيضاء.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي