إضراب الطلبة الأطباء

21 مايو 2019 - 13:53

يظهر أن الحكومة في حاجة إلى الاستعانة بخبراء فن التفاوض لمساعدتها في إطفاء الاحتجاجات والإضرابات المتتالية، خاصة في قطاعي الصحة والتعليم. فبعد أزمة الأساتذة المتعاقدين، ها نحن نعيش أزمة جديدة بإضراب طلبة كليات الطب والصيدلة، والذي دخل أسبوعه الثامن. وفي كلتا الحالتين، نعاين ضعف قدرة الحكومة على التفاوض واستيعاب المطالب، واستباق تفاقم الاحتجاج، وتحديدا من جانب وزارتي التربية الوطنية والصحة.

عشنا أزمة الأساتذة المتعاقدين، الذين تركوا فصول الدراسة حوالي شهرين، ولجؤوا إلى الاحتجاج في شارع محمد الخامس بالرباط، مطالبين بالوظيفة العمومية، وكيف دبرت وزارة التربية الوطنية عملية التفاوض معهم بارتجالية. ولولا تدخل بعض الوساطات الحقوقية والبرلمانية، لما جرى التوصل إلى حل معهم، ولعاش التلاميذ، خاصة في العالم القروي والمناطق المهمشة، نهاية سنة بيضاء. واليوم يتكرر السيناريو نفسه مع طلبة كليات الطب والصيدلة، البالغ عددهم حوالي 18 ألف طالب وطالبة الذين يقاطعون الدروس والتداريب السريرية، ويهددون بسنة بيضاء، وتزداد حدة احتجاجاتهم يوما بعد يوم. من أمثلة الارتجالية في تدبير التفاوض مع الطلبة الأطباء، أن وزارتي التربية الوطنية والصحة استدعتا ممثلي الطلبة للحوار بعدما تفاقم الوضع، وطلبت منهم مدها بلائحة مطالبهم. من أبرز هذه المطالب أنهم يرفضون زيادة سنة إلى الدراسة في كليات طب الأسنان (كانت خمس سنوات وأصبحت ست سنوات)، ويرفضون أن «يزاحمهم» طلبة كليات الطب الخاصة في مباريات التخصص بعد السنة السابعة، فضلا عن لائحة طويلة من المطالب الأخرى. رخصت الحكومة لكليات الطب الخاصة باستعجال، دون توفير الشروط اللازمة، ودون فتح حوار مع الأطباء وممثلي الطلبة، كما اتخذت قرارات تعدل نظام الدراسة دون أخذ رأي المعنيين. وها هي اليوم تجني ردود الفعل الرافضة.

خلال جلسة الحوار، اتهم ممثلو وزارتي التعليم والصحة، ممثلي الطلبة، بأنهم يحرضون الطلبة، ويتسببون في «بلوكاج»، ويمنعون التوصل إلى حل، وسلموهم مشروع اتفاق تضمن بعض الالتزامات العامة، وطلبوا منهم العودة إلى الطلبة لتقديم العرض لهم وإخضاعه للتصويت، واعتقدت الحكومة بسذاجة أنه بعد شهرين من الإضراب لن يغامر الطلبة بدراستهم، وأنهم سينقلبون على لجنة التنسيق، وسيقبلون العرض الحكومي، لكن المفاجأة كانت مدوية مساء الأحد 19 ماي، حين صوتت الجموع العامة في كليات الطلب في المغرب ضد العرض الحكومي، ما شكل صفعة، بل إن نسبة التصويت الرافض تجاوزت 90 في المائة، ما يعني استمرار الإضراب. فهل يتحمل قطاع الصحة، الذي يعاني أصلا الهشاشة، استمرار إضراب الطلبة الأطباء؟ ومن سيؤدي الثمن في النهاية؟ هناك جانب يتعلق بالمطالب المشروعة للطلبة يجب التجاوب معه بالحوار الدائم والإنصات والتفاعل وعدم الاستهانة، وهو سلوك تفتقر إليه الحكومة. لكن هناك جانبا آخر مؤلما، وهو واقع خدمات الصحة التي تعاني نقصا كبيرا، وتتأثر بأي ارتباك. تخسر الدولة من إضرابات الطلبة لأنها تصرف حوالي 100 مليون سنتيم لتخريج كل طبيب عام، والمواطن في المناطق الهشة، التي تعاني نقصا حادا في الخدمات، يؤدي الثمن. نتذكر الحرقة التي تحدث بها نور الدين بوطيب، الوزير المنتدب في الداخلية، أمام لجنة برلمانية في يناير 2018، حيث اعتبر أن معظم الاحتجاجات في المناطق القروية تكون بسبب نقص الخدمات الصحية، وكيف تبذل جهود لتوفير مستوصفات في الجماعات الترابية، لكن دون توفير الأطباء. وحتى مشروع توظيف أطباء في الجماعات الترابية، كان مآله الفشل. كما نتذكر كيف رُفض مشروع وزير الصحة السابق، الحسين الوردي، حول الخدمة الإجبارية للأطباء الخريجين في المناطق النائية. الإضرابات والاحتجاجات لا تزيد القطاع إلا تدهورا، لكن ما يؤسف له هو أن الحكومة تستهين بها، ولا تأخذها على محمل الجد إلا بعدما تكون الفأس قد وصلت إلى الرأس.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي