أحوال الإمام مالك.. فتاواه -الحلقة 14

24 مايو 2019 - 05:00

الدكتور أحمد كافي أستاذ التعليم العالي للدراسات الإسلامية الدار البيضاء.

ومما شاع أن الإمام مالك كان مقلا من الفتاوى، يدفعها تورعا بقوله للسائل: ذروها حتى تقع. وأخذ الناس من بعض أقواله ما فهموا منها النزوع إلى الإقلال. وإن واقع حاله دال على أنه من المكثرين وليس من المقلين. وأن لتلكم المقالات وجه لا علاقة له بالكثرة أو القلة.

وحتى نؤكد على ما نحن بصدده، نقول إنه ورد في كتب التراجم ما يلي:

* مسائل مالك في الموطأ: لقد أحصى بعض الباحثين مسائل الإمام مالك في الموطأ من رواية يحيى بن يحي الليثي، مقتصرا عما أفتى به وأجاب دون ما سئل عنه غيره وأورد إجابته، فبلغت ثلاثا وثمانين وخمسمائة مسألة.

ولو اجتهدنا في جمع جميع مسائل مالك من روايات الموطأ المتعددة، لفاقت المسائل هذا القدر، خصوصا إذا علمنا أن الأخبار عن موطأ مالك، أنه ما زال ينخله ويشذبه ويهذبه حتى استقر في الأخير على النسخ المتداولة اليوم.

* وذكر القاضي عياض أن المدونة تحتوي على ست وثلاثين ألف مسألة، عند ترجمته لـ: عند ترجمة عبد بن عبد الحكم بن أعين بن الليث (ترتيب المدارك).

* وذكر أيضا عند ترجمته معن بن عيسى بن يحيى بن دينار، قال علي بن المديني: “أخرج إلينا معن أربعين ألف مسألة سمعها من مالك” (ترتيب المدارك).

* وقال ابن وهب: سألت مالكاً في ثلاثين ألف مسألة نوازل في عمره (ترتيب المدارك).

* وذكر الخطيب البغدادي في تاريخه الكبير بالسند المتصل إلى أبي محمد الفقيه أنه قال: “سمعت أبا العباس السراج يوما يقول لبعض من حضرـ وأشار إلى كتب مُنَضَّدة عندهـ فقال: هذه سبعون ألف مسألة لمالك، وما نفضت التراب عنها منذ كتبتها” (تاريخ بغداد).

وبه يتبين أن الفتاوى أخذت حيزا كبيرا عند الإمام مالك، وأن النصوص كانت وافية عنده للتخريج عليها، والتعويل عليها وعلى مقاصدها وقواعدها في الإفتاء. وقد عبر عن هذه الكثرة الإمام الذهبي بالقول: “فأما ما نقل عنه كبار أصحابه من المسائل، والفتاوى، والفوائد، فشيء كثير. ومن كنوز ذلك: «المدونة»، و«الواضحة»، وأشياء” (سير أعلام النبلاء).

وكانوا طلبة علم يتحلقون حوله في مجالس العلم وغيرها، فيسعف طلبتهم ونهمهم المعرفي، فلم تكون المسائل المعروضة عليه والتي أجابهم فيها قليلة، بل كثير جدا.

وذكرت كتب التراجم أن الحاكم الأموي أمير الأندلس قد أمر بجمع أقوال مالك فبلغت مائة جزء مبوبة.

* وورد في كتاب التفريع لابن الجلاب ثمانية عشر ألف مسألة عن مالك.

وخلاصة هذه المقالة فيما له ارتباط بموضوع الفتوى، يتبين من خلال ما يلي:

إن الإمام مالك كان من المكثرين في الفتوى كما تشهد على ذلك المسائل التي وردت عنه فيما سلف مني بيانه. وما شاع عند الكثيرين أن الإمام كان من المقلين يدفعه واقع الفتوى عنده كما نقلنا ذلك عنه وعن أكابر أصحابه وغيرهم. فالإقلال من الفتوى زعم لا تنهض به حجة.

وهذا الزعم ليس صحيحا لعدة أسباب. منها:

* كيف يترك الإمام الواقع دون جواب، بما يعني مضي الناس في دينهم ودنياهم على الضلالة، وقد قال تعالى: “وما كان ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون”.

* إن ما ورد من العبارات عنه رحمه تعالى، والتي استفاد منها القوم إقلال الإمام في الفتوى، قد أسيئت الاستفادة. فليس سديدا ما فهم، وكلها أقوال لها وجه لا يفهم منه الإقلال، بتصريح الإمام نفسه، ودون تكلف في الفهم، وبواقع الإفتاء عنده.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي