«البام»: أزمة حزب أم أزمة نسق؟

24 مايو 2019 - 13:32

لم يكن استشراف تفجر “الأصالة والمعاصرة” صعبا، ليس لأن الأمر يرتبط بخطيئة الولادة، إذ عرفت أحزاب إدارية سابقة، تقريبا الملابسات عينها، ولم يمت منها سوى جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، وهو الآن يشهد مسار التفكك للاعتبارات عينها التي سنفصلها.

أين تكمن المشكلة؟ وإلى ما ترمز؟ هل الأمر مرتبط بمشكلة ذاتية داخل الحزب؟ أم يتعدى ذلك إلى ما يرتبط بالنسق السياسي وتحولاته؟

لفهم هذا السؤال، ينبغي استحضار القواعد التي بُنيت عليها معادلة السياسة، ورصد جوانب الاختلال التي مستها، والأجوبة التي قدمت لإعادة بناء هذه المعادلة.

أطروحة التوازن السياسي، فرضت على مدى أكثر من ستين سنة من ممارسة السياسة في المغرب، خلق أحزاب إدارية، والاعتماد على الأعيان لمواجهة مكونات الحركة الوطنية.

السلطة السياسية كانت تُدرك مخاطر تجميع الأعيان في حزب واحد، وصعوبة تدبير تناقضاتهم، ولذلك، بنت النسق السياسي على منطق الأغلبية النسبية. وحتى هذه الأحزاب خرجت من معطف السلطة، ولا تتصرف من غير إرادتها، لم يكن مسموحا لمقاعدها أن تتجاوز السقف الذي يجر النسق السياسي إلى الأغلبية المطلقة.

كانت هذه هي الآلية التي تضمن توزيع الأعيان على أحزاب إدارية كثيرة، وأيضا على الأحزاب الوطنية ضمن حسابات مخصوصة، وهي ذات الآلية التي كانت تضمن أن تؤول العلمية الانتخابية إلى تأثيث أغلبية نسبية تسهل عملية التحكم في مخرجاتها.

في غياب نص دستوري يؤسس للمنهجية الديمقراطية، لم تكن قضية تصدر الانتخابات تطرح إلا مشكلة سياسية رمزية، فكان ضبط النسق يتم بآلية دستورية تجعل تعيين رئيس الحكومة، غير مرتبط بنتائج الانتخابات، وسياسية، تجعل تزوير الانتخابات، تكتيكا، يلجأ إليه للتخفيف من الكلفة الرمزية والسياسية التي يشكلها تصدر أحد أحزاب الحركة الوطنية للانتخابات.

بعد السكتة القلبية، اقتنعت الدولة بضرورة إحداث تحول جزئي في النسق السياسي، لجهة الإبقاء على الوضع الدستوري عينه غير المكرس للمنهجية الديمقراطية، مع ترسيخ فكرة الأغلبية النسبية، وإمكان أن يقود الحكومة حزب من أحزاب الحركة الوطنية، ووقع تحول آخر في العهد الجديد، لمّا تم القطع مع تزوير نتائج الانتخابات.

هذا التعديل الجزئي اصطدم في نهاية المطاف بتحديات ضبط شكل الأغلبية النسبية، مع انتخابات 2002، فتم تشغيل الآلية الدستورية، لإنهاء حكومة التناوب، وتعيين حكومة إدريس جطو.

مع نتائج انتخابات 2007، وظهور تحدي صعود “العدالة والتنمية”، بدأ التفكير في تعديل جوهري للنسق، لجهة الانتقال من نمط النسبية إلى نمط الأغلبية، نظرا إلى الواقع الذي يفرضه النص الدستوري، والذي رسخ المنهجية الديمقراطية، إذ لم يعد هناك من خيار آخر، لمنع سيناريو تصدر “العدالة والتنمية” إلا بحزب إداري يتصدر نتائج الانتخابات.

هذا الرهان المغامر، فرض تحولات تكتيكية لم يكن من الممكن التحكم في كلفتها، منها على وجه الخصوص سؤال التعاطي مع الأعيان، وهل يستمر خيار التوزيع المتعدد لهم على الأحزاب، أم حاجة الوقت فرضت تركيزهم في “البام”؟

برزت الأزمة في أول تمظهراتها بهيمنة “البام” على الأحزاب الخمسة، لكن لئن الحزب كان يقوده الوزير المنتدب السابق في الداخلية، فقد تم التحكم في الكلفة بآليات سلطوية، ولم تتفجر الأزمة بشكلها المأزقي إلا بعد نتائج انتخابات 2016، وذلك بسبب فشل القيادة في تدبير تناقضات الأعيان التقليديين والأعيان الجدد الذين تمددت مصالحهم بشكل تعدى مصالح الأعيان التقليديين.

في مرحلة وسيطة، كانت قدرة القيادة السابقة (إلياس العماري) على الإيهام بالآليات السلطوية فعالة نسبيا في ضبط تناقضات هذا الركام من الأعيان، لكن مع الفشل في تصدر نتائج الانتخابات، وانسحاب هذه القيادة، ظهر العطب، الذي يبدو في الظاهر مرتبطا بالصراع على القيادة، ولكنه في الجوهر مرتبط بأزمة في النسق.

ولذلك، إذا كانت أزمة “البام” اليوم، تمر من الظروف عينها التي يثار فيها النقاش حول تعديل الفصل 47، وتغيير نمط الاقتراع، فإن الأمر في جوهره يعكس أزمة نسق سياسي، يريد إعادة التطبيع مع منطق الأغلبية النسبية، لكنه، يجد السياق الدستوري، والديناميات السياسية والانتخابية، تعاكسه بسبب غياب حزب منافس للعدالة والتنمية، فلا يجد أي آلية ناجعة سواء لإحداث تغيير جوهري في النسق، واعتماد الأغلبية المطلقة بدل النسبية، أو العودة إلى النسبية مع إزالة محذور تصدر العدالة والتنمية.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي