قراءة في رأي فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي الخاص بتوفيق بوعشرين

06 يونيو 2019 - 17:04

عبد العزيز النويضي محام وأستاد جامعي

يعد فريق العمل المعني بحالات الاعتقال التعسفي أو التحكمي، ضمن آليات الأمم المتحدة العاملة في حقل حقوق الإنسان والمسماة آليات موضوعاتية (مقررون وفرق عمل حول انتهاكات خطيرة كالتعذيب أو الاختفاء القسري أو الإعدام التعسفي، ومواضيع أخرى تهم حقوقا متعددة وصل عددها إلى 44 آلية). تعمل جنبا إلى جنب مع الآليات التعاهدية، أي التي أنشأتها المعاهدات. يعمل فريق العمل المعني بحالات الاعتقال التعسفي طبقا لتكليف مجلس حقوق الإنسان وهو يتكون من خمسة خبراء مستقلين. ويشكل آلية مكملة للآليات التعاهدية. فهذه الآليات مفيدة، حيث إن ولايتها تمتد إلى جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ولا تحتاج موافقة الدول لتدرس تبليغات وشكاوى الأفراد ضد أي دولة؛ كما أنها تتميز بإمكانية القيام بنداءات عاجلة للحكومات في الحالات التي تقع فيها انتهاكات يتعين وقفها بسرعة. وهي تصدر آراء وتوصيات للدول تحت إشراف مجلس حقوق الإنسان، واستنادا على التزامات الدول طبقا لمواثيق حقوق الإنسان.

مفهوم الاعتقال التعسفي أو التحكمي أو الحرمان التعسفي من الحرية في تعريف فريق العمل

حسب الفريق، تندرج خمس حالات ضمن مفهوم الاعتقال التحكمي أو التعسفي

  • الحالة الأولى: عندما يكون من المستحيل بوضوح التذرع بأي أساس قانوني لتبرير الحرمان من الحرية (كما في حالة وجود شخص ما رهن الاحتجاز بعد قضاء مدة عقوبته أو على الرغم من اعتماد قانون للعفو قابل للتطبيق على تلك الحالة)؛
  • الحالة الثانية: عندما ينجم الحرمان من الحرية عن ممارسة الحقوق أو الحريات المضمونة بموجب المواد 7 و13 و14 و18 و19 و20 و21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفيما يتعلق بالدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية بالمواد 12, 18, 19, 21, 22, 25, 26 و27 (أي بالحق في: حرية التنقل – حرية الضمير – حرية الراي والتعبير – حرية التجمع السلمي – حرية تأسيس الجمعيات –المشاركة في إدارة الشؤون العامة (انتخابات وظائف ) – المساواة ومنع التمييز – حقوق الأقليات الإثنية أو الدينية أو اللغوية)؛
  • الحالة الثالثة: الانتهاك الكلي أو الجزئي للمعايير الدولية المتعلقة بالحق في محاكمة عادلة المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي باقي الأدوات الدولية التي قبلتها الدول المعنية، والتي تصل درجة من الخطورة، بحيث ينتج عنها اعتقال تعسفي؛
  • الحالة الرابعة: عندما يكون طالبو اللجوء أو المهاجرون أو اللاجئون ضحية للاحتجاز الإداري المطول دون إمكانية للمراقبة (على شرعيته ) أو لانتصاف إداري أو قضائي؛
  • الحالة الخامسة: عندما يشكل الحرمان من الحرية انتهاكًا للقانون الدولي بسبب التمييز على أساس الولادة أو القومية أو العرق أو الوضع الاجتماعي أو اللغة أو الدين أو الوضع الاقتصادي أو الرأي السياسي أو غيره، أو بسبب الجنس أو الميول الجنسية أو الإعاقة، أو أي وضعية أخرى تؤدي إلى خرق مبدأ المساواة بين البشر؛

وبعد دراسة حالة السيد توفيق بوعشرين، توصل فريق العمل إلى أن اعتقاله يعد تعسفيا، لأنه ناتج عن تحقق الحالات الثلاث الأولى، أي انعدام الأساس القانوني (1) وأن الاعتقال نتج بسبب ممارسته لحقه في حرية الرأي والتعبير، (2) وأن إجراءات محاكمته لم تكن عادلة، (3) وقد صدر رأي الفريق في 23 نونبر 2018 ونشرت صيغته النهائية في 29 يناير 2019 بالوثيقة A/HRC/WGAD/2018/85.

المرحلة التواجهية

بعد الشكاية التي يعزوها الفريق العامل إلى ما يسميه المصدر La source، وهو المحامي البريطاني وعائلة السيد توفيق بوعشرين حسب الوثائق، أحال الفريق الشكاية على الحكومة لترد على الادعاءات الواردة فيها ثم على المصدر للرد من جديد. وبعد استنفاد الأطروحات والأطروحات المضادة، عمل الفريق بمنهجية تجعل منه نوعا من الحكم أو القاضي المستقل والمحايد قبل أن يعلل رأيه ثم يصدر منطوق رأيه وتوصياته. وتوجهت هذه التوصيات إلى الحكومة وإلى المصدر وإلى مجلس حقوق الإنسان وبعض الآليات (المقرر المعني بحرية الرأي والتعبير) قصد التتبع والمساعدة على تنفيذ التوصيات التي قدمت لجبر الضرر بمفهومه الواسع (إعادة الحرية – التعويض- التحقيق في الانتهاك وترتيب الآثار على ذلك – اتخاذ تدابير لضمان عدم التكرار).

وبعد عرض أطروحة المصدر وعرض الرد الحكومي عليها وملاحظات المصدر- والتي لا مجال لعرضها هنا- بدأ الفريق في فحص الشكاية وتعليل رأيه قبل إصدار منطوق الرأي وتوصياته.

 

فحص الفريق العامل وتعليل رأيه

في البداية رحب الفريق العامل بتعاون الأطراف، مما يمكّنه من إبداء الرأي على أساس كتابات تواجهية.

وأشار الفريق العامل، كنقطة أولية، إلى أنه لا يتفق مع رأي الحكومة القائل بضرورة استنفاد سبل الانتصاف المحلية قبل اللجوء إليه، أو بكون القضية لا تزال معلقة أمام المحكمة الوطنية وتمنع الفريق العامل من ممارسة اختصاصه.

ومن أجل تحديد ما إذا كان حرمان السيد بوعشرين من الحرية هو أمر تعسفي، أخذ فريق العمل في الاعتبار المبادئ المنصوص عليها في اجتهاداته القضائية الخاصة بالتعامل مع وسائل الإثبات. فعندما يقدم المصدر (أي الجهة المشتكية) عناصر كافية لدعم افتراض انتهاك القواعد الدولية والتي تشكل الاحتجاز التعسفي، فإن عبء الإثبات يقع على عاتق الحكومة، حيث تقرر الحكومة تحديا لادعاءات وهي حرة في تقديم الأدلة التي تراها ضرورية لدعم ما تقدمه، مع العلم أنها في كثير من الأحيان في وضع أفضل بكثير لإنتاج الوثائق الإجرائية.

وفي هذه القضية، يقول الفريق إن الحكومة ردت بنفي جميع الادعاءات. وبصرف النظر عن الاعتقال، والاحتجاز المستمر والجرائم المزعومة ضد السيد بوعشرين، فإن الحكومة لم تدحض بكيفية دقيقة ادعاءات (المصدر) أي المشتكي. وكما قال الفريق العامل في الماضي، فإن النفي الرسمي لا يكفي لدحض ادعاءات موثوقة للمصدر، خاصةً عندما يكون المصدر قد قدم أدلة كافية دعما لادعاءاته، سواء وثائق المحكمة وغيرها من الوثائق التي دخلت المجال العام، بما في ذلك الترجمات عندما كانت الوثائق باللغة العربية. لذلك لا يسع فريق العمل إلا أن يلاحظ أن الحكومة اختارت أن تكتفي بالنفي دون أن تعزز موقفها بأي وثائق لدعم أطروحتها. وفي هذه الحالة، ستكون المصداقية في جهة المصدر، من حيث أنه لا يوجد سبب آخر للشك بها.

وأضاف فريق العمل: من الناحية المهنية، فإن السيد بوعشرين صحفي، وأحياناً يمارس التحقيق، وله كتابات عديدة تنتقد الحكومة. وقد ذكر المصدر أنه كان بالفعل موضوعًا لاثنين من الدعاوى القضائية ضده بتهمة التشهير بسبب كتاباته بهدف تكميمه. وبالنسبة للمصدر، هذه المتابعة الجديدة لا تختلف إلا في درجة صنع الأدلة وفي الاستراتيجية المنسقة للسلطات. وضمن هذا السياق، سيقوم الفريق العامل بفحص هذه الادعاءات في ضوء الحالات ذات الصلة بالاعتقال التعسفي.

ففي إطار الحالة أو الفئة الأولى، يدعي المصدر طول مدة احتجاز الشرطة للمتهم، وأنه لم يمثل بسرعة أمام قاضٍ لمجادلة شرعية اعتقاله.

يذكر المصدر أن الاحتجاز في المغرب لا يمكن أن يتجاوز 48 ساعة (24 ساعة في البداية، مع احتمال تمديد مدة متساوية) ولكن هذه سوف تستمر 72 ساعة. وبعبارة أخرى، فخلال هذه الساعات 48، فإن الشخص يجب تقديمه أمام قاض ليقرر في أي تمديد للاحتجاز. ولم ترد الحكومة مباشرة على هذا الدفع، لكنها أطالت الحديث عن حالة التلبس وكون القضية جاهزة للمحاكمة.

إن وقائع هذه القضية لا تفسح المجال أمام أطروحة التلبس. وحسب المصدر فقد كان الادعاء يبرر في كتاباته استمرار الاعتقال بعد الموعد النهائي القانوني بحالة التلبس، قبل أن يقول في وقت لاحق إنه كان خطأ مطبعيا وهذا خطأ غريب، يقول الفريق، خاصة إذا كانت هي الحجة الوحيدة للاحتجاز بعد 48 ساعة، لأنه سيؤدي بالتالي إلى إزالة أي مبرر لهذا الاعتقال.

وفي ردها، تؤكد الحكومة أنه لم تكن هناك حاجة للتلبس، وأن القضية كانت جاهزة للحكم. ومع ذلك يقول فريق العمل، فحتى الآن، والقضية ما زالت لم تغلق، بينما يبقى السيد بوعشرين رهن الاحتجاز، ناهيك على أنه تم تقديم بعض الأدلة من أجل القيام بخبرة (بمعنى أن القضية لم تكن جاهزة) أو تم العثور عليها بعد الاعتقال.

وعلاوة على ذلك، يقول الفريق حتى لو كانت القضية جاهزة، فإن ذلك لا يبرر استمرار الاحتجاز كإجراء وقائي واستثنائي يجب أن يستند إلى مبررات أخرى لاستمراره، مثل خطر الهروب أو العبث بالأدلة…

وأخيراً، من الثابت جيداً أن الاعتقال والاحتجاز الأولي يجوز ألا يأمر به قاض، ولكن أحكام المادة 9 من العهد الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية تشترط أن يمثل الشخص المعتقل أو المحتجز على وجه السرعة أمام قاضٍ لإعطاء الفرصة له للطعن في قانونية اعتقاله. فهذه القاعدة تعني أنه لا يمكن أن يستمر الاحتجاز دون أمر من المحكمة.

ويضيف فريق العمل: لقد فشلت الحكومة في إقناع الفريق العامل بعكس ذلك. وكل هذه الانتهاكات للمادة 9 من العهد، تؤدي إلى خلاصة أن اعتقال واحتجاز السيد بوعشرين بعد 48 ساعة يبقى تعسفيا بالمعنى المقصود في الفئة الأولى، أي عدم وجود أساس قانوني لاعتقاله.

وينتقل الفريق العامل لفحص مدى توفر شروط الحالة أو الفئة الثانية التي بموجبها يمكن القول بوجود اعتقال تحكمي فيقول: يزعم المصدر أن الإجراءات المرفوعة ضد السيد بوعشرين هي استمرار لإجراءات التشهير التي كان هدفا لها في الماضي. لكن هذه المرة، قامت السلطات بتلفيق مجموعة من الأدلة لدعم اتهامات مختلفة. وإذا كانت الحكومة تنفي بشدة هذا الادعاء، فإن المصدر قد جاء بأدلة متعددة لدعم تأكيداته، منها نفي عدد من المشتكيات اللاتي قلن إنهن تعرضن للضغوط لتوريط السيد بوعشرين. بل إن إحداهن أبلغت عن استخدام الزور، في حين ذكرت الحكومة أنها كانت موضوع إجراء مواز بسبب الاتهام الكاذب ضد ضابط من الشرطة القضائية.

ومن الغريب، يقول رأي فريق العمل، أن السلطات قد نشرت مثل هذا العدد من القوات لاعتقال فرد واحد في غياب أي مبرر للمقاومة مثلا، وهي حقيقة اختارت الحكومة مرة أخرى السكوت عنها في رأي فريق العمل.

ويخلص الفريق إلى أنه بالنظر إلى هذه الظروف ووجود مضايقات قضائية والتي لا يمكن أن تكون إلا نتيجة للعمل الذي يقوم به في مجال التحقيق والإخبار، وذلك في انتهاك للحماية التي يتمتع بها السيد بوعشرين في ظل المادة 19 من العهد الدولي (الخاص بالحقوق المدنية والسياسية). وبالتالي، فإن السيد بوعشرين يعد معتقلا تعسفيًا بموجب الفئة الثانية.

وعلاوة على ذلك، وبسبب مهنة السيد بوعشرين كصحفي، فإن الفريق العامل قرر إحالة الادعاء المذكور أعلاه واستنتاجه إلى الإجراء الخاص ذي الصلة، وهو المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير.

ويضيف فريق العمل أنه يستنتج من حيث المبدأ مما سبق أنه لا يوجد أي مبرر لمحاكمة السيد بوعشرين. ومع ذلك فهناك عملية قانونية مستمرة (أي محاكمة)، وقد قدم المصدر الحجج حول طابعها غير العادل. وبالتالي فإن الفريق العامل سيقدر ذلك بصفة إضافية.

ويشير المصدر إلى أن بعض الأدلة ملفقة وبعضها الآخر تم التلاعب به، وعلى سبيل المثال، أجبرت بعض الضحايا المزعومات على الإدلاء بشهاداتهن، وكانت زوجة السيد بوعشرين نفسها تحت الضغط، وخاصة لتوقيع محضر بتاريخ سابق.

وعلاوة على ذلك، أدلى السيد بوعشرين من أجل الدفاع عن نفسه بمعطيات لتحديد الموقع لجغرافي (الذي كان يتواجد فيه وقت حصول بعض الاتهامات المزعومة)، لكن الشرطة أدخلت تعديلات على البيانات لتقليل أهميتها. وأخيرًا، بلغ المصدر عن بعض الفيديوهات التي يجادل الدفاع في صحتها والتي هي موضوع خبرة.

وقد أقرت الحكومة أن بعض الضحايا المزعومات اعترفن بعلاقات رضائية مع السيد بوعشرين، لكن الحكومة يضيف فريق العمل لم تقدم أي دليل على أن العلاقات الأخرى لم تكن رضائية. وقد استمرت الدولة في الاختباء وراء ذريعة السرية المقررة لصالح هؤلاء الناس، على الرغم من أنه صار في علم العموم أن البعض منهن قد عبروا علانية عن موقفهم كضحايا، سواء للصحفي أو لجهاز الدولة.

وقد ذكر المصدر يضيف فريق العمل، أن السلطات قامت بترهيب أي شخص سيدعم السيد بوعشرين. في المقام الأول، بعض السيدات أكدن أنهن تعرضن للضغط، واحدة على وجه الخصوص تجري معها مسطرة موازية (ربما يقصد بها عفاف برناني أو أمل الهواري). وفي المقام الثاني فإن محامي السيد بوعشرين نفسه هو موضوع إجراءات موازية أمام النقابة والمحاكم. وهذه الإجراءات ضد شهود الدفاع وضد محامي المتهم قد أثرت بلا شك على قدرة الدفاع على التركيز، وبالتالي تشكل مساسا بحق السيد بوعشرين في الحصول على وسائل دفاعه وهي تشكل بالتالي انتهاكا للمادة 14 (3) من العهد.

ويلاحظ الفريق العامل أن دفاع السيد بوعشرين قدم إلى القضاة كل هذه الحقائق، بما في ذلك المخالفات… ولم يعرها القضاء اهتماما أو اعتبرها غير مقبولة. ولم تدحضها الحكومة بأدلة مقنعة، ويعتبر فريق العمل أنه لا يمكنه اعتبار النفي الحكومي الشكلي وغير المدعم بأدلة. كما يعتبر أن موقف القضاة هنا يثير بشكل موضوعي الشكوك حول استقلالهم في هذه القضية.

وأسوأ من ذلك، يضيف الفريق، أن القضاة قرروا إغلاق جلسات المحاكمة ابتداء من 7 ماي 2018 (أي جعل الجلسات سرية). وقد أوضحت الحكومة أن هذا الإجراء كان مطلوبًا لحماية الضحايا. وحتى لو كانت هذه الحماية هي مصدر قلق مبرر، فمن غير المعقول أن الإغلاق التام للجلسات هي الحل، لأنه ينتهك حق المتهم في محاكمة علنية. ويجب التأكيد على أن بعض هؤلاء الضحايا هم أطراف مدنية وقد أدلين ببيانات علنية حول وضعيتهن كضحايا، وكان ينبغي منطقيا أن تقل الحاجة إلى جلسة مغلقة. بل كان في مصلحة الدولة نفسها تمكين المراقبين غير الحكوميين من حضور النقاشات في المحكمة.

وعبر فريق العمل عن أسفه على قرار جعل الجلسات مغلقة، مما يمس بحق المتهم في محاكمة علنية.

وبالنظر لكل الانتهاكات التي حصلت هنا، اعتبر فريق العمل أن اعتقال السيد توفيق بوعشرين يعتبر تعسفيا بالنظر كذلك لتوفر موجبات الحالة الثالثة .

ولم ينس فريق العمل الإشارة إلى وضع المشتكيات، حيث قال « إن فريق العمل يدرك الاتهامات وحقوق السيدات اللاتي يقلن إنهن ضحايا واللاتي حملن القضية إلى السلطات. وإن من الأهمية بمكان محاربة كل أنواع العنف ضد النساء، وإنه لمن مصلحة ضحايا هذا العنف التزام سلطات الدولة بعدم انتهاك حقوق المتهمين في هذه القضايا عبر محاكمة عادلة. ويضع فريق العمل ثقته في نظام العدالة الوطني لتحقيق العدالة لهؤلاء الضحايا كلما تأكد وجود عنف.

 

وأخيرا يصل فريق العمل إلى منطوق رأيه

المنطوق: في ضوء ما سبق، قدم الفريق العامل الرأي التالي:

  • إن حرمان السيد توفيق بوعشرين من الحرية يعد تعسفيا، لأنه تم خرق المواد 9 و14 و19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية، وهذا الحرمان يطابق الحالات الأولى والثانية والثالثة من معايير فريق العمل؛
  • يطلب الفريق العامل من الحكومة المغربية اتخاذ التدابير التي تفرض نفسها لمعالجة وضعية السيد بوعشرين دون تأخير، وجعلها متوافقة مع المعايير الدولية المعمول بها، بما في ذلك تلك الواردة في العهد؛
  • يعتقد الفريق العامل أنه، في ضوء جميع ظروف هذه القضية، سيكون التدبير المناسب هو الإفراج الفوري عن السيد بوعشرين ومنحه الحق في الحصول على جبر الضرر، بما في ذلك منح تعويض وضمان عدم التكرار، وفقا للقانون الدولي؛
  • يحث الفريق العامل الحكومة على أن تحرص على القيام بتحقيق شامل ومستقل في ظروف الحرمان التعسفي من الحرية للسيد بوعشرين، واتخاذ التدابير اللازمة ضد المسؤول عن انتهاك حقوقه؛
  • وطبقا لمنهج عمل الفريق العامل، فإنه يحيل القضية إلى المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير لاتخاذ الإجراءات المناسبة؛
  • يطلب الفريق العامل من الحكومة استخدام جميع الوسائل المتاحة لها لنشر هذا الرأي على أوسع نطاق ممكن.

 

وأخيرا أوصى الفريق بعدد من إجراءات المتابعة

– طلب الفريق من المصدر (أي الجهة المشتكية) ومن الحكومة إبلاغه بأي تدابير متخذة لتنفيذ التوصيات المقدمة في هذا الرأي، بما في ذلك:

أ -) إذا تم الإفراج عن السيد بوعشرين، وإذا كان الأمر كذلك، فما هو التاريخ؛

ب) ما إذا كان قد تم جبر ضرر السيد بوعشرين ولاسيما في شكل تعويض نقذي؛

ج) إذا كان قد تم التحقيق في انتهاك حقوق السيد بوعشرين، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي النتيجة؟

د) ما إذا كان المغرب قام بتعديل تشريعاته أو ممارساته لجعلها متوافقة مع التزاماته بموجب القانون الدولي تماشيا مع هذا الرأي؛

هـ) ما إذا تم اتخاذ تدابير أخرى لتنفيذ هذا الرأي؛

إن الحكومة مدعوة لإبلاغ الفريق العامل بأي صعوبات واجهتها في تنفيذ التوصيات المقدمة في هذا الرأي،

وما إذا كانت تحتاج مساعدة فنية إضافية مثلا في إطار زيارة للفريق العامل.

يطلب الفريق العامل من المصدر والحكومة تقديم المعلومات في غضون ستة أشهر من تبليغ هذا الرأي،

ويحتفظ الفريق العامل لنفسه بحق اتخاذ إجراءات المتابعة إذا بلغ إلى علمه معلومات جديدة تدعو للقلق. وهذا سيمكنه من إحاطة مجلس حقوق الإنسان علما ما إذا كان قد تم إحراز تقدم في تنفيذ التوصيات أو ما إذا كان لم يتم أي إجراء في هذا الاتجاه.

يشير الفريق العامل إلى أن مجلس حقوق الإنسان قد دعا جميع الدول للتعاون معه وحثهم على أخذ آرائه في الاعتبار ومعالجة وضع جميع الأشخاص المحرومين تعسفاً من حريتهم وإبلاغه بالتدابير التي اتخذت لتحقيق هذا الغرض.

في نهاية هذه القراءة لرأي فريق العمل في قضية السيد توفيق بوعشرين، يسرني أن أقدم الخلاصات التالية:

1- من وجهة نظر القانون الدولي، فهذا الرأي ملزم للدولة المغربية، لأنه صدر من جهاز مخول لإبداء الآراء والتوصيات استنادا على المواثيق الدولية التي قبلها المغرب والتزم باحترامها في تشريعاته وفي ممارساته التنفيذية والقضائية؛

2- إن الأمم المتحدة تقوم على مبدأ تعاون الدول بحسن نية مع مؤسساتها ومع التزاماتها. وهي لا تملك شرطة أو جيوشا لحمل الدول على تنفيذ التزاماتها؛

3- هذا الرأي له تأثير سياسي يفوق قيمته القانونية، ومن مصلحة المغرب وقضاياه الكبرى أن يتعاون باعتبار أنه يحترم التزاماته التي قبلها طواعية وهو يمارس سيادته كاملة غير منقوصة، وباعتباره في هذه الحالة دولة قانون، سواء على المستوى الوطني أو الدولي ؛

4- تنفيذ هذا الرأي في أهم جوانبه، وهو الإفراج عن السيد بوعشرين وجبر ضرره سيجنب بلادنا ودبلوماسيتنا كثيرا من الإحراج أمام شركائنا وأمام منظومة الأمم المتحدة في مناسبات عديدة، منها مناسبة الاستعراض الدوري الشامل أو أثناء عرض تقاريره أمام أجهزة المعاهدات أو دراسة ملف الصحراء أو تعزيز مركز الشريك المتقدم أو الشريك من أجل الديمقراطية مع مجلس أروبا، والذي يتطلب الالتزام بتنفيذ إصلاحات دستورية ومؤسسية وسياسية وقانونية عميقة.

5- في حالة عدم التنفيذ وبتراكم مع قضايا أخرى، فمن المحتمل أن يتقهقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان من الدرجة التي يوجد فيها اليوم في رتبة المؤسسات الوطنية التي اكتسبتها المؤسسة، بفضل جهود ومساعي المسؤولين عنها، وبفضل عدد من الإجراءات التي تمت، بما فيها تبني دستور 2011 والانضمام إلى بعض المعاهدات كاتفاقية القضاء على الاختفاء القسري والبروتوكول الإضافي لاتفاقية مناهضة التعذيب، والقيام ببعض الإصلاحات الهامة (مدونة الأسرة، إصلاح القضاء العسكري…

6- سيكون أمرا جيدا لو اندرج جبر الضرر هذا في تدابير شاملة للإفراج عن معتقلي الريف ومعتقلي كافة الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة في طريق إصلاحات أخرى لتقويم المسار السياسي والحقوقي في بلادنا.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي