لله يا جزاير..

10 يونيو 2019 - 18:01

كشفت مسيرات الجمعة الأخيرة، التي شهدتها مدن وشوارع الجزائر، دخول الحراك الشعبي، الذي بلغ عداده الأسبوع الـ16، مرحلة قلق غير مسبوق. فرغم الطابع السلمي للمظاهرات الشعبية التي انطلقت ذات جمعة 16 فبراير، ورغم ما يبديه الجيش الجزائري من تعقّل وامتناع عن استخدام القوة، فإن منسوب القلق بدا مرتفعا هذه المرة، وهو ما يمكن قراءته بوضوح في عناوين الصحافة الفرنسية ليومي نهاية الأسبوع، تتقدمها افتتاحية «لوموند» التي حملت عنوانا صريحا: الجزائر في مأزق.

أسباب القلق من تطورات الوضع في الجزائر كثيرة، لكن ما تسبب في تحوّل جذري في الانطباع الخارجي حولها، مستجدان رئيسان؛ الأول هو أن خروج الجمعة الماضية جاء وقد دخلت الجزائر أول مرة مرحلة الخروج عن «الشرعية» الدستورية. فرغم استقالة الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، وتأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان يفترض أن تجرى شهر أبريل الماضي، فإن تدبير البلاد كان يقع داخل إطار الدستور الذي يسمح بفترة انتقالية من ثلاثة أشهر بعد شغور منصب الرئاسة، تنتهي بانتخابات جزم المجلس الدستوري أخيرا باستحالة تنظيمها. أما السبب الثاني فهو، دون أدنى شك، الانعطافة المأساوية للثورة السودانية، الأخت الشقيقة للحراك الجزائري، حين أقدم الجيش السوداني الأسبوع الماضي على إراقة دماء المدنيين في الشوارع.

ما تعيشه الجزائر منذ أربعة أشهر سيكون، دون أي مبالغة، حاسما في رسم مستقبلنا جميعا نحن المغاربيين. صحيح أن العلاقات السياسية والاقتصادية شبه مقطوعة بيننا وبين جارنا الشرقي، لكن ما ستؤول إليه الثورة الشعبية سيحدد مصيرنا المتأرجح بين بروز نظام إقليمي مغاربي جديد يجنّب المنطقة ويلات الشرق الأوسط، وبين وصول حروب واضطرابات الثورات المضادة إلى حدودنا الشرقية، نحن البلد الواقع في أقصى هذا العالم الذي يوصف بالعربي.

فإذا كانت جارتنا الشرقية قد تميّزت في لحظة الربيع العربي بمقاربتها الاستثنائية التي قامت على «شراء» الاستقرار، مستفيدة من امتلاء خزائنها بعائدات الغاز والنفط، فإنها في مرحلة الثورات المضادة استفادت من غفلة القوى العربية التي قادت هذه الردة الدموية تجاه أكبر بلد مغاربي.

فالحرب العمياء التي خرجت أذرع بعض إمارات الخليج لخوضها ضد الإسلاميين عبر العالم، جعلت المغرب وجهة أولى لإقامة ما تسميه بعض المصادر بـ«مركز للرصد والمراقبة» يغطي المغرب العربي وإسبانيا، بهدف محاصرة الإسلاميين. وبعدما وقفت تلك القوى على مناعة المغرب ضد مثل هذا الاختراق، انتقل المشروع نحو تونس، التي بات البعض يعتبرها نقطة ارتكاز إقليمية لقوى الثورات المضادة، وإن كان إسلاميو حزب النهضة يحتفظون بحضور سياسي وازن.

الجزائر، ذات الماضي الدموي القريب ضد الإسلاميين، بقيت في منأى، نسبيا، عن هذه التحركات، وإن كان البعض يتحدث عن لعبها دورا في التمكين لحلفاء الثورات المضادة في تونس. وحين نتابع كيف تحرّكت جحافل قوات الجنرال الليبي خليفة حفتر من أقصى الشرق نحو طرابلس الغرب، تزامنا مع نجاح الثورة الشعبية في الجزائر في إسقاط بوتفليقة، نفهم جليا أن ما ستؤول إليه هذه الثورة سيكون حاسما في رسم خريطة المنطقة، فإما وصول الخريف العربي إلى حدود المغرب الشرقية، ووضعه تونس، مهد الربيع العربي، بين فكي الكماشة، وإما بناء جسر جزائري بين المغرب وتونس لحماية نموذج استثنائي دفع البلدان ثمنا باهظا من أجل بقائه، رغم كل ما شهداه من تراجعات.

لقد كتب الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، أخيرا، مقالا يشرح فيه لماذا يعتبر مصير المغرب العربي مرتبطا بنجاح الجزائر. ومما دفع به الرجل، الذي حملته ثورة الياسمين إلى قصر قرطاج ثم خرج منه بانتخابات ديمقراطية، أن «هذه الثورة الناجحة ستكون درعا للتغيير الذي سيحصل في تونس في الانتخابات المقبلة بعد إغلاق قوس الثورة المضادة»، ولأن شعب المواطنين هذا لن يسمح بتواصل إغلاق الحدود البرية مع المغرب الشقيق، واحتضار الحلم المغاربي.

ونحن نتابع خروج الجزائريين كل جمعة، لا نملك إلا أن نردد مع المغني كلماته التي تقول:

لله يا جزائر يا وردة الروح

نحلم يجي يوم عطر الحب يفوح

وتتجمع القلوب لا غربة ولا فرقة

ولا دخان حروب تحت سمانا الزرقة

واللي عنده حمامة بحبة قمح ترضى

واللي عنده منامة يحققها في اليقظة

ونشوف على بابك الغيمة تتجلى

من حبة ترابك نلبس أحلى حلة

لله.. لله.. لله يا لله.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي