مفتاح القلوب

03 يوليو 2019 - 12:41

هنا بمدينة الرباط.. كل شيء جيد إذا ما استثنينا أضواء وضجيج  مهرجان “موازين”.. هو ضيف ثقيل وممل.. وأعتقد أن وجوه العابرين أمامي بدورها تبدو مجمعة على هذا الكلام.. إنه مهرجان لا يشكل أولوية لدى المغاربة، كما أن أضواءه وإشهاراته، لم ولن تجمل وجه الوطن العبوس، مادامت بطون الزنازين مليئة بضحايا الحراكات والمطالب الشعبية، وكتاب الرأي الحر.

إنها الساعة الثامنة مساء.. السيارة المركونة على الرصيف تنبعث منها رائحة أغنية “غربية”.. الأغاني “الغربية” اختيار سيئ بالنسبة إليّ.. لكن، من ذا الذي يجرؤ على إخبار سائق السيارة أن ذوقه الليلة سيئ؟ لا أحد!

أنا أقف في الركن المقابل.. أتأمل المارة وأبحث في ملامحهم عن نفسي.. أستمع للأغاني التي لا أفهمها، وأقول بصوت خافت:  “ليتك غادرت يا صاحب السيارة”….

فتاة شابة تمشي على الرصيف بخطوات سريعة، كأي خائف مما وراء الظلام.. ينتبه سائق السيارة لوجودها.. وبحركة سريعة يخرج يده ووجهه من نافذة السيارة محملقا.. ويرفع صوت الأغنية باليد الأخرى.. لكنها لا تلتفت إليه، ولا لأغنيته غير المفهومة الكلمات…

غادرت الفتاة، ليطفئ بعدها السائق الأغنية ويشعل بدلا عنها سيجارة من نوع رخيص، ويهم بالمغادرة.

صوت الفنان المغربي “فيصل عزيزي” قادم من بعيد.. من داخل سيارة ثانية لا أعرف نوعها.. أنا لا أفهم في السيارات وأنواعها.. فيصل يغني: (قلّبت على مفتاح القلوب.. قالوا كلمة في الريتم تذوب.. ولو ما كان كيانك في هذا الكون.. ما كانت أغنيتي في الكون تكون).. رتبت شعري بيدي مفتعلا حركة سريعة.. بينما المغني لازال يغني (فين مفتاح القلوب؟!.. فينك مخبي أنا محتاجك وين تكون..). تذكرت عزيز أخنوش، رئيس حزب “الحمامة”.. وتذكرت تصريح وزير “العدل” المنتمي إلى نفس حزبه “الأزرق”، الذي قال فيه إن “أخنوش إذا نجح حزبه في الاستحقاقات المقبلة، فإنه سيكون مفتاحا لكل مشاكل المغاربة”….

رباه! كيف لمن لم يملك قبل بضعة أشهر مفتاح فهم حملة مقاطعة محطات الوقود التابعة لشركته، والتي أرغمته على الاختباء والصمت لمدة ليست بالهينة.. أن يملك حلولا لكل مشاكل المغاربة؟

يا الله! ما أكثر “الإكشوانات” في هذا الوطن الذي يصنع أبطالا من ورق.. لقد صاروا كلهم أبطالا.. الذين يسرقون باب الخزينة والخزانة ودفتر الشيكات.. الذين يسرقون المدينة والحدائق وصناديق التقاعد والكحل من عيون النساء المغلوب على أمرهن.. والذين يسرقون دخان السجائر قبل أن تشتعل في أفواه مدمنيها الفقراء.. كلهم يدعون أنهم أبطال قادرون على حل مشاكل المغاربة، وفعل كل شيء.. لكنهم في الحقيقة سرقوا كل شيء.. حتى غمضة العين الهنيئة سرقوها منا.. ولم يتركوا لنا سوى الديون، التي علينا أن نسددها لهم أقساطا، من “دم جوفنا” الذي يغلي حنقا وغضبا وألما…

أعتقد أن الفنان الشاب “فيصل عزيزي”، وحده من يبدو أنه يملك جوابا عن سؤال: من يملك مفتاح الفوز بانتخابات 2021؟.. الانتخابات التي حتما سيفوز بها – طبعا إن لم يتم المس بنزاهتها- ذاك الذي سيستطيع امتلاك مفتاح قلوب المغاربة.. لأن مفتاح النصر لا يحمله إلا من زُرع بقلبه حب هذا الوطن وفقرائه…

أترك الرصيف.. أرفع يدي لسيارة أجرة.. أركب بجانب السائق وأطلب منه أن يعود بي إلى المنزل.. يشغّل السائق السيارة.. تخرج “الشابة الزهوانية” من مسجل السيارة للغناء بدورها: (أنت مفتاح غبينتي… باش تشفق على حالتي.. وتداوي لي محايني…).

سأتوقف ها هنا.. لقد نسيت نفسي وقلبي.. واتبعت سحر السياسة و”تخاريف” أخنوش.. شعر رأسي بدأ يغزوه الشيب.. وجميلات موقع “الأنستغرام” اللائي لم أضع لهن إعجابا منذ شهرين، قد أكون خسرتهن.. سأشغل الإنترنت الآن.. لكن توقف لحظة! عليّ أن أشغل قلبي قبل ذلك.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي