القصة الكاملة للتلاميذ الذين مُنعت حافلاتهم وأغلقت أمامهم أبواب غرف نومهم!

04 يوليو 2019 - 21:02

يبدو أن الصراع بين وزارة الداخلية وحزب العدالة والتنمية في جهة درعة تافيلالت وصل إلى مداه بإقدام السلطات على منع كل الطرق التي تسمح لنحو 180 تلميذا متفوقا من أقاليم الجهة بالحضور إلى دورة تكوينية وتوجيهية نظمتها مؤسسة درعة تافيلالت للباحثين والخبراء، بغرض تأهيلهم لامتحانات ولوج المعاهد والمدارس العليا على الصعيد الوطني.

فبعد تجربة أولى السنة الماضية، حقّقت نجاحا بنسبة 80 في المائة، وساعدت بعض التلاميذ على الحصول على المراتب الأولى في عدد من المعاهد والمدارس العليا، يبدو أن وزارة الداخلية قد قرّرت « إعدام المبادرة نهائيا »، بحسب مسؤول حزبي.
وانطلقت تجربة « مرافقة » التي تنظمها مؤسسة درعة تافيلالت بالتعاون مع جمعيات جهوية ومحلية بالجهة السنة الماضية، الهدف منها مساعدة المتفوقين من أبناء الأسر الفقيرة والمتوسطة على الولوج إلى المدارس والمعاهد العليا. وتشترط المؤسسة للاستفادة من الخدمة التي تقدمها للتلاميذ المتفوقين في أقاليم الجهة الحصول على معدل 16 من 20.

وقال الطيب الصديقي، رئيس مؤسسة درعة تافيلالت للباحثين والخبراء، لـ »أخبار اليوم »، إن المؤسسة تفتح التسجيل الإلكتروني لهؤلاء التلاميذ، وتطلب منهم كشف النقط الخاص بهم، والذي يثبت حصولهم على معدل 16 من 20، وبعد أن يتم حصر الذين تتوفر فيهم الشروط إلكترونيا، يتم استدعاؤهم عن طريق التعاون مع جمعيات محلية في مختلف الأقاليم التابعة للجهة، على أساس أن هذه الجمعيات هي من تتكلف بالنقل، بينما توفر مؤسسة درعة تافيلالت التأطير والإيواء والتغذية. وأكد الصديقي أن « كل جمعية ترغب في المشاركة في العملية، وتنشط في أقاليم الجهة، مرحب بها، على أساس أن تتكلف بالنقل من الجهة إلى الرباط، وأن تحترم المساطر المتبعة في هذا الإطار ».

وكان المتوقع أن تمر التجربة الثانية هذه السنة على غرار السنة الماضية، في سلاسة وهدوء، لكن يبدو أن الصراع بين وزارة الداخلية وحزب العدالة والتنمية في جهة درعة تافيلالت، وخصوصا في إقليم الرشيدية، قد تجاوز كل الحدود بين الطرفين، كما عبّرت عن ذلك وقائع الدورة العادية لمجلس الجهة يوم الاثنين الماضي.

في هذا السياق، انطلقت مبادرة « مرافقة » الأحد متوجهة إلى الرباط ومراكش، وبينما مضى 120 تلميذا ينحدرون من زاكورة وورززات إلى مراكش دون أي اعتراض في الطريق من قبل الشرطة أو الدرك، فوجئت المجموعة الثانية المكونة من 180 تلميذا كانوا متوجهين إلى الرباط عبر ميدلت ومكناس، بقوات الشرطة والدرك توقف الحافلات التي كانوا على متنها، بحجة أن تلك الحافلات خاصة بالنقل المدرسي داخل الجهة، ولا تتوفر على التراخيص الضرورية للسفر إلى الرباط، وأعادوهم من حيث أتوا إلى الرشيدية، حيث قضى التلاميذ ليلة الأحد/الاثنين في قاعة عمومية بالراشيدية.
الطيب الصديقي أوضح قائلا: « حين وصلنا الخبر من طريق الجمعيات المؤطرة، قلنا لهم بضرورة احترام الإجراءات المسطرية، لكن الجمعيات المؤطرة رأت أن الوقت ليس في صالحها، فقررت استعمال النقل العمومي، أي الحافلات وسيارات الأجرة الكبيرة المتوفرة، لكن السلطات تدخلت مرة أخرى بالمنع ». وأردف الصديقي « في اليوم الموالي اتصلت بي مصالح ولاية الرشيدية، تطلب التزاما من مؤسسة درعة يفيد بأنها الجهة التي ستؤوي التلاميذ، وقد قدمنا لهم هذا الالتزام، وفي الصباح انطلقت المجموعة مرة أخرى نحو الرباط باستعمال طاكسيات النقل العمومي، حيث وصلوا إلى الرباط حوالي الساعة التاسعة من ليلة الاثنين ».

كانت مؤسسة درعة تافيلالت قد استعدت مسبقا لاستقبال هؤلاء التلاميذ، فطلبت من وزارة التربية الوطنية مؤسسات تتوفر على أماكن للإيواء والتغذية والتأطير، « منحتنا وزارة التربية الوطنية ثانوية الليمون، وثانوية مولاي يوسف، ولذلك توجه التلاميذ بعدما وصلوا الرباط مباشرة إلى ثانوية الليمون، لكنها كانت مغلقة، اتصلنا بالسيد المدير، فقال لنا اسمحوا لي هناك تعليمات بالمنع ». ومضى الصديقي قائلا: « كان الوقت ليلا، والتعب باد على التلاميذ ومؤطريهم، بحثنا عن مكان للإيواء، وقد عثرنا عليه، وفي اليوم الموالي قررنا اختيار مؤسسة خاصة، ووقع اختيارنا على مؤسسة للسكن الجامعي الخاص بمدينة العرفان، وبالفعل استقبلنا السيد المدير بصدر رحب، واتفقنا على كل شيء، بل ساعدنا بنفسه في إعداد غرف الإيواء، لقد وفّر لنا 220 غرفة، للتلاميذ والمؤطرين، وبعد ذلك قدم الفوج الأول من التلاميذ إلى المؤسسة، فاستقبل بشكل حسن، لكن حين وصل الفوج الثاني وجد المؤسسة قد أغلقت في وجهه، اتصلنا بالسيد المدير لمعرفة السبب، فقال لنا إن هناك تعليمات من ولاية الرباط بالمنع ».

مرة أخرى وجد التلاميذ المتفوقون من أبناء جهة درعة تافيلالت، الجهة الأكثر فقرا في المغرب، أنفسهم مشردين في الرباط، وتناقلت صورهم وسائل التواصل الاجتماعي، ما خلّف ردود فعل غاضبة انتشرت بسرعة، ويبدو أن ذلك كان السبب الرئيسي الذي دفع السلطات إلى التدخل في عين المكان، للبحث عن أماكن إيواء (فنادق) للتلاميذ الذين ظلوا مشردين خارج مؤسسة السكن الجامعي الخاص، تتوفر على 1700 غرفة فارغة.

مصادر أخرى قالت لـ »أخبار اليوم » إن المجموعة الثانية من التلاميذ الذين توجهوا إلى مراكش، واختاروا منذ البداية مؤسسة خاصة احتضنتهم إيواء وتأطيرا وتغذية، بالتعاون مع مؤسسة درعة تافيلالت، يقضون أيامهم التكوينية والتدريبية في ظرف أفضل، لسبب رئيسي وهو « أن مدير المؤسسة رفض الضغوط الممارسة عليه للتنصل من الاتفاق المبرم بين مؤسسته الخاصة ومؤسسة درعة تافيلالت ».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

محماد منذ 4 سنوات

آفة هذه البلاد أن المسئول فيها لا سلطة له. والذي يحتكر السلطة ليس مسئولا. وعلى هذا يمكن للسلطات المحلية أن تعرقل عمل الجماعات المنتخبة وفي نفس الوقت تحملها مسئولية هذه العرقلة. لا أفهم معنى وجود عامل ووالي وقايد في دولة ديمقراطية يساءل فيه المنتخب الذي لا سلطة له على هؤلاء؛ الذين لا يسألون عما يفعلون بينما يُسأل المنتخبون. الدستور ينص مثلا على أن الآمر بالصرف هو رئيس الجماعة المنتخب؛ بينما عمليا الميزانية الجماعية تحت تصرف العامل؛ الذي يتحكم بها ف المنتخبين. بحيث يحجز الميزانية، عمن يشاء ويصرفها لمن شاء من الأحزاب المرضي عنها.

التالي