غويتيسولو بالعربي.. العقيد القذافي يخيب أمل المغاربة -الحلقة10

12 يوليو 2019 - 18:19

بعد مرور سنتين على وفاته يوم 4 يوينو 2017، تعيد «أخبار اليوم» خلال هذا الصيف نشر، في حلقات، مجموعة من المقالات التي سبق ونشرها الكاتب الإسباني العالمي خوان غويتيسولو (ازداد سنة 1931) ، في صحيفة «إلباييس» منذ سنة 2000 حول المغرب، بشكل خاص، والمغرب الكبير والعالم العالم، عامة.

في منتصف ثمانينيات القرن المنصرم، وبينما كنت أدردش مع أصدقائي الموسيقيين في ساحة جامع الفنا بمراكش في صالون للحلاقة يعمل فيه أحدهم؛ إذ دخل علينا شخص في سن الثلاثين تقريبا، أثارت لهجته انتباهنا. لم يكن مغربيا ولا مصريا ولا من الشرق الأوسط. وبينما كان رأسه تحت رحمة المقص والمشط، سألناه عن بلده الأصلي، فرد بالقول إنه ليبي. فدفعني فضولي، كما هي العادة، إلى أن أسأله عن القائد الأعلى. «إنه أبي»، رد المواطن الليبي، وتابع: «حسنا إنه أبو الليبيين جميعا». ألححتُ في سبر أغواره: «وماذا عن نظام حكمه الفريد، هل يشتغل بشكل جيد؟»، «إنه أشبه بالحرير»، يعقب. واصلت فضولي: «والناس هناك، هل هم راضون؟». «راضون، لا، بل سعداء». أَخبرتُه بأن الكمال الذي يرسمه لنا عن ليبيا غير موجود في عالمنا الحزين. فجميع المجتمعات على هذا الكوكب لديها مشاكل، سواء كانت صغيرة أم كبيرة.

يبدو أن الغريب بدأ يفكر، وتحولت سلسلة الابتهالات بمحاسن النظام إلى تأسف. «نعم، هناك مشكلة كبيرة في ليبيا؛ إنها مشكلة المهر. الزواج مكلف جدًا، وليس في متناول الجميع». وحتى نبرة صوته انتقلت من الوثوق بالذات إلى الحزن. حط الرحال بالمغرب للبحث عن زوجة. تحدثوا له عن فتاة عذراء في الدار البيضاء، والوسيط الذي يعرفها وعده بأن يضرب له موعدا معها، لكن، من أجل فتح شهيتها للموعد، يجب أن يدفع له ثمن هدية بقيمة 20 ألف درهم. وعندما دقت ساعة الموعد المحدد في الجهة الخلفية لمقهى وسط المدينة، لم يظهر الوسيط ولا الزوجة الموعودة. لقد تعرض للنصب والاحتيال، وهو يشعر بالإحباط، لأنها كانت فرصته الأخيرة. وسألنا إن كنا نعرف فتاة في سن الزواج، ولو كانت نحيلة وبها عيب، فلا مشكلة لديه. المهم بالنسبة إليه هو العودة إلى بلده متزوجا وفق سنة الله وشرعه… تحولت الصورة الوردية لجماهيرية القذافي إلى مزيج من اليأس والآهات. لا أعرف إن كان قد تحقق له مراده، أم عاد إلى ليبيا خالي الوفاض.

في فترة معينة، هاجر عشرات الآلاف من المغاربة إلى ليبيا بحثا عن العمل. كان القذافي قد أعلن تأسيس اتحاد المغرب العربي مع باقي القادة المغاربيين، وكان المغاربة واثقين من أنهم سيُستقبلون بحفاوة في ليبيا. هذا الحلم الجميل بالأخوة لم يدم طويلا. عودة المغاربة فرادى في البداية، وجماعة لاحقا، عكست خيبة أفق انتظارهم. الذين وثقوا في وعود القذافي عانوا نظام الثكنات، كما كانت كل اتصالاتهم بالسكان المحليين خاضعة للمراقبة الصارمة من لدن لجان الدفاع عن الثورة، و«حكومة الجماهير الشعبية» المنصوص عليها في الكتاب الأخضر. الوضع في ليبيا القذافي كان أسوأ بكثير من أوضاع البلد الذي هجروه. ذِكر القذافي أو جماهيريته أمام أولئك المغاربة كان بمثابة ذكر شيء يجلب النحس. كيف لا، وهم من أبدعوا طرفة تقول: «سمعت أن هناك مسابقة في أمريكا مكافأتها رحلة إلى فيلادلفيا (ولاية أمريكية، لكن المغاربة ينطقونها بالدارجة فيلا دل فيا، أي فيلا في الفيفاء)؛ الفائز الأول سيضمن إقامة لثلاثة أيام في ليبيا، والثاني ثلاثة أسابيع، والثالث ثلاثة أشهر».

حقا، كانت الفكاهة المراكشية متنفسا للتعبير عن تلك التجربة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي