«البيجيدي».. أغلبية أم معارضة؟

15 يوليو 2019 - 11:02

الأغلبية والمعارضة، من المصطلحات التي تؤثث الحياة السياسية، ويتحدد من خلالهما تصنيف الأحزاب السياسية، وموقعها داخل المجالس المنتخبة وداخل البرلمانات، وبالتالي، موقفها تجاه الحكومات.

خضع المصطلحان للتطور، إلى أن أصبحا محددين رئيسيين في التناوب على السلطة، والمنافسة على تمثيل أكثرية المواطنين، خاصة بعدما ابتدعت البشرية الانتخابات عن طريق الاقتراع العام المباشر، وباتت الأحزاب وفق هذا التصنيف عنصرا رئيسا في التقدم الديمقراطي، وفي استقرار المؤسسات المنتخبة والتداول على تسييرها، إما بامتلاك القرار المتعلق بالسلطة التنفيذية، أو ممارسة الرقابة والانتقاد، وكشف النقائص والأخطاء، وإعداد البديل لتقديمه في الانتخابات الموالية. الممارسة السياسية في المغرب، تشير إلى تغير في تمثل التصنيف القائم على الأغلبية والمعارضة، وذلك لخصوصية النظام السياسي الذي تقع في عمقه الملكية، التي تقوم بأدوار تتجاوز هذا التصنيف، باعتبارها فوق الجميع، ووقوفها على المسافة نفسها من كافة الأحزاب، وتوليها ضمان استمرارية المؤسسات، التي يمكن أن ترتبك بمعطيات تتعلق بالتموقع في الأغلبية أو المعارضة.

ولذلك شهدت التجربة السياسية المغربية، في مراحل ما بعد الاستقلال، نوعا من الصراع بين الملكية باعتبارها صاحبة السلطة، وبين بعض الأحزاب، التي تجاوزت مساحة معارضة السياسات والبرامج، إلى محاولات منازعة الملكية في الشرعية، وهو ما كبح التقدم الديمقراطي في البلاد بدل أن يخدمه، وخلق أجواء تقاطب غير صحي، انتهى بإقرار مراجعات دستورية، أعادت ترتيب العلاقات داخل المشهد السياسي، ورسمت مساحات الاشتغال الممكنة والمتاحة للأحزاب.

حزب العدالة والتنمية، باعتباره حزبا سياسيا، صُنّف بعد ولادته الثانية حزبا معارضا، كونه يمثل تيارا في المجتمع كان رافضا لمظاهر وقرارات كثيرة مصدرها الحكومة أو غيرها من المؤسسات، لكنه بعد دخوله للبرلمان، وفي سياق سياسي أفرز ما سمي بالتناوب التوافقي، أعلن عن اصطفافه بين الأغلبية والمعارضة، من خلال اجتراحه لمفهوم “المساندة النقدية”، والتي تعني مساندة الحكومة مع الاحتفاظ بحق الانتقاد، لكن سرعان ما غير موقفه نحو ما سمّاه “المعارضة البناءة”، لتكون انطلاقته الحقيقية في تأطير المجتمع، وفق قواعد ثنائية “أغلبية/معارضة” التي حررته من الحرج في علاقته بالحكومة، مع أن مفهوم المساندة النقدية ومفهوم المعارضة البناءة، لا يختلفان كثيرا إلا من حيث مستوى الإحراج الذي ظل الحزب يستشعره، خاصة في العلاقة مع الملكية. وطوال فترة احتلاله موقع المعارضة، كان خطاب حزب العدالة والتنمية متميزا، وقاصدا في التفريق بين التعبير عن مواقف رافضة لسياسات حكومية، مقابل إعلان الدعم والمساندة  لسياسات وبرامج أخرى تتعلق بتعليمات وتوجيهات الملك، وظل يدافع عن اختياراته معتبرا أن مصلحة الوطن سابقة على ما يقتضيه منطق المعارضة المنتسب إليها.

خلال فترة احتجاجات سنة 2011، برز أن حزب العدالة والتنمية، غير معني كثيرا بتصنيف أغلبية/معارضة، بقدر ما يعنيه موقعه من التاريخ ومن مصلحة البلاد ومصلحة الملكية الضامنة للوحدة والاستقرار والاستمرار، فاتخذ موقف بدا غريبا من حزب معارض جاءته الفرصة للإجهاز على خصومه في الأغلبية، لكنه خط مسارا آخر، كشف فيه أنه الممثل الحقيقي للأغلبية، وإن لم يكن ممثَّلا في الحكومة، وبرهن على محددات التموقع بالنسبة إليه، تتعلق بمصلحة الدولة والمجتمع، وتتعلق بمساهمته في الإصلاح، وفي القيام بالمهمة التي يكون من خلالها جزءا من الحل، لا عنصر توتر أو إرباك.

وهذه المعاني تجسدت في بداية تجربة الحزب، عندما طلب منه الملك الحسن الثاني رحمه لله، عدم المشاركة في إحدى المحطات الانتخابية، وفق ما يذكره الأمين العام السابق للحزب الأستاذ عبدالإله بنكيران، وعندما قرر تقليص مشاركته الانتخابية سنة  2002  و2003، وتجسدت أيضا من خلال تصويته على عدد من القوانين بالإيجاب، وهو في المعارضة، نظرا إلى أهميتها أو إلى حساسيتها.

غير أن الحزب ارتبك في تجسيد هذه المعادلة، خلال الفترة الأخيرة، التي تميزت بمساهمته من موقع الأغلبية في تجربة حكومية رافق ولادتها الكثير من الشك، وواكب أشغالها الكثير من عدم الرضا، ومساهمته من موقع الأغلبية، كذلك، في إقرار سياسات وبرامج وقوانين بدا أثرها السلبي على المجتمع، دون أن تُتاح له الفرصة لرفضها أو لتجويدها ودرء مفاسدها، لأن تصنيفه يكبله.

إن حزب العدالة والتنمية مدعو إلى التأمل في تجربتيه من موقع الأغلبية، للترجيح بين ما تحقق لصالح الدولة ولصالح المجتمع، وما تحقق لصالح جهات أخرى قد تكون خصما له، تُمعن في ضربه بيده، حتى لا يصبح البقاء في الأغلبية مجرد رهان انتخابي، ويصبح الخروج إلى المعارضة إعلان الفشل في هذا الرهان.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي